العمل الإداري والعمل التشريعي
من الممكن إجراء التفرقة بين العمل الإداري والعمل التشريعي وفق المعيار الشكلي، أو المعيار الموضوعي.
أولاً : طبقاً للمعيار الشكلي:
يمكن تعريف العمل التشريعي بأنه ذلك العمل الصادر عن البرلمان بالمعنى الواسع الذي يشمل ليس فقط مجلس الشعب بوصفه الهيئة التي تقر القانون، ولكن أيضاً مكاتب المجلس وإداراته المختلفة واللجان التي يشكلها، أما العمل الإداري ، فإنه يعرف بأنه ذلك العمل الصادر عن السلطة الإدارية، كل ذلك بصرف النظر عن مضمون العمل أو الإجراء ذاته، فقد يتحد أو يتشابه موضوع قرارين معينين، ومع ذلك، يكون أحدهما تشريعياً، والأخر إدارياً تبعاً لاختلاف السلطة المصدرة لأحدهما عن السلطة المصدرة للأخر.
وعلى ذلك يعتبر عملاً إدارياً كل عمل صادر عن سلطة إدارية أياً كان مضمونه وفحواه، أي سواءً كان متضمناً لقاعدة قانونية عامة كاللائحة، أو كان متوجهاً بالخطاب إلى فرد معين بذاته وباسمه، كالقرار الإداري..
كما إننا نكون أمام عمل تشريعي إذا صدر الإجراء عن السلطة التشريعية، بصرف النظر عما إذا كان متضمناً لقواعد عامة ومجردة كالقوانين التي تنظم المركز القانوني للعاملين بالدولة وبالقطاع العام، أم كان متعلقاً بحالة فردية كالقانون الذي يجيز عقد القروض العامة، وكقانون الميزانية.
ثانياً: طبقاً للمعيار الموضوعي:
أما استخدام المعيار الموضوعي في هذا المجال، فإنه يؤدي إلى نتائج عكسية لتلك التي يرتبها الأخذ بالمعيار العضوي.
ذلك أنه طبقاً للمعيار الموضوعي، يعرف العمل التشريعي بأنه ذلك العمل الذي يتضمن قاعدة عامة ومجردة، بغض النظر عن صفة الهيئة التي تصدره، والشكل والإجراءات التي تتبع في إصداره، وهكذا، ليست كل الأعمال الصادرة عن البرلمان معتبرة أعمالاً تشريعية، فهذا التعبير – أي العمل التشريعي – يعين فقط تلك القوانين التي تتضمن قواعد عامة ومجردة دون غيرها التي تنظم حالة فردية معينة بذاتها، كما أنه ينطبق على اللوائح برغم أنها تصدر عن السلطة التنفيذية. باختصار العمل التشريعي يشمل القوانين المشرعة واللوائح.
أما العمل الإداري، فهو كل عمل لا يتضمن قاعدة عامة ومجردة بغض النظر عن مصدره، ولذلك، فالقانون الصادر بالموافقة على الميزانية مثلاً، يعتبر طبقاً للمعيار الموضوعي ، عملاً إدارياً برغم أنه صادر عن البرلمان مثله في ذلك مثل أي قرار صادر عن السلطة الإدارية بتعيين موظف عام مثلاً ، أو أي قرار إداري فردي أخر.
إن المعيار المعتمد في الأغلب الأعم هو المعيار الشكلي المبني على صفة القائم بالعمل القانوني، والعمل التشريعي بمنأى عن الإلغاء وأما العمل الإداري فقابل للإلغاء.
وإن محكمة القضاء الإداري في مصر تأخذ بالمعيار الشكلي : فصدور قرار من السلطة التنفيذية أياً كانت طبيعته يجعله قابلاً للطعن بالإلغاء كأي قرار إداري.
وإن محكمة القضاء الإداري أقرت بأن " السلطة التشريعية هي التي تقوم أصلاً بالأعمال التشريعية أي بإصدار القوانين باعتبارها قواعد عامة مجردة، كما أن السلطة التنفيذية هي التي تقوم أصلاً بتطبيق وتنفيذ هذه القوانين، وذلك بإصدار قرارات في شأن الأفراد والحالات التي توافرت لها شروط تلك القواعد العامة المجردة.
كما يجوز الخروج على هذين الأصلين بنص دستوري على نحواً جرى به الدستور الملغي حيث أباح للسلطة التنفيذية التشريع في بعض الأحيان... كما أعطى السلطة التشريعية حق إتيان أعمال إدارية بعضها يصدر في صورة قانون كاعتماد ميزانية الدولة وقانون العفو الشامل وقيام الأحكام العرفية.
وتضيف محكمة القضاء الإداري إن الأعمال الإدارية التي يصدرها البرلمان في صورة قوانين ومنها قانون ربط الميزانية فترى المحكمة الأخذ بالرأي الذي أخذ بالمعيار الشكلي، ومقتضى ذلك أن يكون لقانون ربط الميزانية حصانات القوانين العادية ومن ثم لا يقبل الطعن فيها وطلب إلغائها لعيب مجاوزة السلطة أو الانحراف بها: أما الأعمال الصادرة من السلطة التنفيذية ولو كانت في مقام التشريع كاللوائح وغيرها فإنها تخضع لرقابة القضاء. وتكون رقابته عليها من حيث الموضوع هي عين رقابته على سائر القرارات الإدارية، ويقبل الطعن عليها بجميع الطعون.
وفي فرنسا، أخذ أيضاً بالمعيار الشكلي لتمييز بين الأعمال التشريعية عن الأعمال الإدارية، فبصدد تحديد الأعمال التي يجوز فيها الطعن بالإلغاء أمام مجلس الدولة، ينص القانون على أنها تلك الأعمال الصادرة عن السلطات الإدارية المختلفة، أي أن القرار يكون ذا طابع إداري إذا صدر عن أحدى السلطات الإدارية حتى ولو تضمن قاعدة عامة ومجردة، أو صدر منها بناء على تفويض تشريعي طالما أن البرلمان لم يوافق عليه، أو صدر بناء على دعوة البرلمان للسلطة التنفيذية.
ومع ذلك، يجب القول بأن استخدام المعيار الشكلي في هذا المجال ليس مطلقاً، فقد أخذ القضاء في حالات استثنائية بالمعيار الموضوعي.
وهكذا، اعترفت محكمة التنازع لمحاكم القضاء العادي بالحق في تفسير اللوائح – هي تلك القرارات التي تتضمن قواعد عامة مجردة دون القرارات غير اللائحية – وذلك لأن اللوائح تشبه القوانين من الناحية الموضوعية، أي إنها أعمال تشريعية من حيث موضوعها ومحتواها، وبما أن للمحاكم سلطة تفسير القوانين المشرعة الصادرة عن البرلمان، فإن من المنطقي أن تمارس نفس الاختصاص بصدد القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، والمتضمنة لقواعد عامة ومجردة.
ومن جهة أخرى، رفضت المحاكم، في الفترة التي كانت تقر فيها بمبدأ عدم مسئولية الدولة المطلقة عن الأضرار التي تسببها القوانين ، القضاء بالتعويض عن الأضرار التي تسببها اللوائح ، لتشابهها من الناحية الموضوعية مع القوانين.
وأخيراً، طبق القضاء المعيار الموضوعي لإضفاء صفة القرار الإداري على بعض الأعمال الصادرة عن البرلمان بشأن الموظفين العاملين به، كقرارات التعيين والترقية ، والتأديب، والإحالة للمعاش أي للتقاعد.