وليد Admin
عدد المساهمات : 656 تاريخ التسجيل : 22/05/2010 العمر : 36 الموقع : كوردستان
| موضوع: خروج موسى من مصر إلى مدين 20/6/2010, 19:18 | |
|
خروج موسى من مصر إلى مدين
قال الله تعالى : " فخرج منها خائفا يترقب " أي فخرج من مدينة مصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلى طريق ولا يعرفه ، قائلاً : " رب نجني من القوم الظالمين * ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل * ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب ، أي يتلفت ، وخشية أن يدركه أحد من قوم فرعون ، وهو لا يدري أين يتوجه ، ولا إلى أين يذهب ، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها
" ولما توجه تلقاء مدين " أي اتجه له طريق يذهب فيه ، " قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " أي عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود وكذا وقع ، فقد أوصلته إلى مقصود وأي مقصود
" ولما ورد ماء مدين " وكانت بئراً يسقون منها ، ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة ، وهم قوم شعيب عليه السلام ، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء
ولما ورد الماء المذكور " وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان " أي تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس
وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات ، وهذا أيضاً من الغلط ، ولعلهن كن سبعاً ، ولكن إنما كان تسقي اثنتان منهن ، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظاً ، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين " قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير " أي لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء ، لضعفنا ، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره قال الله تعالى : " فسقى لهما "
قال المفسرون : وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة ، فتجيء هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس ، فلما كان ذلك اليوم ، جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده ، ثم استقى لهما وسقى غنمهما ثم رد الحجر كما كان قال أمير المؤمنين عمر : وكان لا يرفعه إلا عشرة ، وإنما استقى ذنوباً واحداً فكفاهما
ثم تولى إلى الضل ، قالوا : وكان ظل شجرة من السمر وروى ابن جرير عن ابن مسعود ، أنه رآها خضراء ترف " فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
قال ابن عباس : سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر ، وكان حافياً فسقطت نعلاً قدميه من الحفاء وجلس في الظل - وهو صفوة الله من خلقه - وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع ، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة
قال عطاء بن السائب لما قال : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " أسمع المرأة
" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين * قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل "
لما جلس موسى عليه السلام في الظل وقال : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " سمعته المرأتان فيما قيل ، فذهبتا إلى أبيهما فيقال : إنه استنكر سرعة رجوعهما ، فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام فأمر إحداهما ، أن تذهب إليه فتدعوه : " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء " أي مشي الحرائر ، " قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة وهذا من تمام حيائها وصيانتها : " فلما جاءه وقص عليه القصص " وأخبره خبره وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فراراً من فرعونها " قال " له ذلك الشيخ : " لا تخف نجوت من القوم الظالمين " أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم
وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو ؟ فقيل هو شعيب عليه السلام وهذا هو المشهور عند كثيرين ، وممن نص عليه الحسن البصري ومالك بن أنس ، وجاء مصرحاً به في حديث ، ولكن في إسناده نظر
وصرح طائفة بأن شعيباً عليه السلام عاش عمراً طويلاً بعد هلاك قومه ، حتى أدركه موسى عليه السلام هذا ، وتزوج بابنته
وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الحسن البصري : أن صاحب موسى عليه السلام هذا ، اسمه شعيب ، وكان سيد الماء ، ولكن ليس بالنبي صاحب مدين وقيل : إنه ابن أخي شعيب ، وقيل : ابن عمه ، وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب ، وقيل : رجل اسمه يثرون هكذا هو في كتب أهل الكتاب : يثرون كاهن مدين أي كبيرها وعالمها
وقال ابن عباس وأبو عبيدة بن عبد الله : اسمه يثرون زاد أبو عبيدة : وهو ابن أخي شعيب وزاد ابن عباس : صاحب مدين
والمقصود : أنه لما أضافه وأكرم مثواه ، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه قد نجا ، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها : " يا أبت استأجره " أي لرعي غنمك ، ثم مدحته بأنه قوي أمين
قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد : لما قالت ذلك ، قال لها أبوها : وما علمك بهذا ؟ فقال : إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة ، وإنه لما جئت معه تقدمت أمامه ، فقال : كوني من ورائي ، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق
قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : صاحب يوسف حين قال لامرأته : " أكرمي مثواه " وصاحبة موسى حين قالت : " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب
" قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين "
استدل بهذه جماعة من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ، على صحة ما إذا باعه أحد هذين العبدين أو الثوبين ونحو ذلك ، أن يصح ، لقوله : " إحدى ابنتي هاتين "
وفي هذا نظر ، لأن هذه مراوضة لا معاقدة والله أعلم
واستدل أصحاب أحمد على صحة الإستئجار بالطعمة والكسوة ، كما جرت به العادة ، واستأنسوا بالحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه مترجماً عليه في كتابه : باب استئجار الأجير على طعام بطنه حدثنا محمد بن المصفى الحمصي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن مسلمة بن على ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن الحارث بن يزيد ، عن على بن رباح قال : سمعت عتبة ابن الندر يقول : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : " طسم " حتى إذا بلغ قصة موسى ، قال : " إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني سنين - أو عشر سنين - على عفة فرجه وطعام بطنه "
وهذا الحديث من هذا الوجه لا يصح ، لأن مسلمة بن على الخشني الدمشقي البلاطي ضعيف عند الأئمة لا يحتج بتفرده ، ولكن قد روى من وجه آخر ، فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكر ، حدثني أبي لهيعة ح وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه "
ثم قال تعالى : " ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل " يقول : إن موسى قال لصهره : الأمر على ما قلت ، فأيهما قضيت فلا عدوان علي والله على مقالتنا سامع وشاهد ، ووكيل علي وعليك ، ومع هذا فلم يقض موسى إلا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة
قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا مروان بن شجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضي موسى ؟ فقلت : لا أدرى حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، أن رسول الله إذا قال فعل
تفرد به البخاري من هذا الوجه ، وقد رواه النسائي في حديث الفتون ، كما سيأتي من
طريق القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير به
وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن محمد الطوسي ، وابن أبي حاتم عن أبيه كلاهما عن الحميدي ، عن سفيان بن عيينة ، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سألت جبريل أي الأجلين قضي موسى ؟ قال : أتمهما وأكلهما "
وإبراهيم هذا غير معروف إلا بهذا الحديث وقد رواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن أعين ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره
وقد رواه سنيد عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مرسلاً
أن رسول الله سأل عن ذلك جبريل فسأل جبريل إسرافيل ، فسأل إسرافيل الرب عز وجل فقال : أبرها وأوفاهما
وبنحوه رواه ابن أبي حاتم من حديث يوسف بن سرج مرسلاً
ورواه ابن جرير من طريق محمد بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أوفاهما وأتمهما
وقد رواه البزار وابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران الجوني ، وهو ضعيف ، عن أبيه عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أوفاهما وأبرهما قال : وإن سئلت أي المرأتين تزوج ؟ فقال الصغرى منهما
وقد رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن على بن رباح ، عن عتبة بن الندر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعام بطنه " فلما وفي الأجل قيل : يا رسول الله أي الأجلين ؟ ،قال : أبرهما وأوفاهما
فلما أراد فراق شعيب - سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به ، فأعطاها ما ولدت غنمه ، من قالب لون من ولد ذلك العام ، وكانت غنمه سوداء حساناً ، فانطلق موسى عليه السلام إلى عصا قسمها من طرفها ثم وضعها في أدني الحوض ، ثم أوردها فسقاها ، ووقف موسى عليه السلام بإزاء الحوض ، فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة ، قال : فأتأمت وألبنت ووضعت كلها في قوالب ألوان ، إلا شاة أو شاتين ، ليس فيها فشوش ، ولا ضبوب ، ولا عزوز ، ولا ثعول ، ولا كموش تفوت الكف قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية "
قال ابن لهيعة : الفشوش : واسعة الشخب ، والضبوب : طويلة الضرع تجره والعزوز : ضيقة الشخب والثعول : الصغيرة الضرع كالحلمتين ، والكموش : التي لا يحكم الكف على ضرعها لصغره
وفي صحة رفع هذا الحديث نظر وقد يكون موقوفاً كما قال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك قال : لما دعا نبي الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ، قال له صاحبه : كل شاة ولدت على غير لونها فلك ولدها ، فعمد موسى فوضع حبالاً على الماء فلما رأت الحبال فزعت فجالت جولة فولدن كلهن بلقاً إلا شاءة واحدة ، فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام وهذا إسناد جيد رجاله ثقات والله أعلم
وقد تقدم عن نقل أهل الكتاب عن يعقوب عليه السلام حين فارق خاله لابان أنه أطلق له ما يولد من غنمه بلقاً ، ففعل نحو ما ذكر عن موسى عليه السلام فالله أعلم
* * *
قال الله : " فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون * فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين * وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين * اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين "
تقدم أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما ، وقد يؤخذ هذا من قوله : " فلما قضى موسى الأجل " وعن مجاهد : أنه أكمل عشراً وعشراً بعدها
وقوله : " وسار بأهله " أي من عند صهره ، زاعماً - فيما ذكره غير واحد من المفسرين وغيرهم - أنه اشتاق إلى أهله ، فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة مختف فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم وغنم قد استفادها مدة مقامه
قالوا : واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة ، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف ، وجعل يورى زناده فلا يورى شيئاً ، واشتد الظلام والبرد
فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور - وهو الجبل الغربي منه عن يمينه فـ " قال لأهله امكثوا إني آنست نارا " وكأنه والله أعلم رآها دونهم ، لأن هذه النار هي نور في الحقيقة ، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد : " لعلي آتيكم منها بخبر " أي لعلي أستعلم من عندها عن الطريق : " أو جذوة من النار لعلكم تصطلون " فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة ، لقوله في الآية الأخرى : " وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى " فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق ، وجمع الكل في سورة النمل في قوله : " إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون " وقد أتاهم بخبر وأي خبر ، ووجد عندها هدي وأي هدي ، واقتبس منها نوراً وأي نور ؟ !
************************** مصدر ********* https://book.twilight-mania.com ***************************
| |
|