وليد Admin
عدد المساهمات : 656 تاريخ التسجيل : 22/05/2010 العمر : 36 الموقع : كوردستان
| موضوع: صلة الدين بالقانون الدولي 12/8/2010, 12:39 | |
| إن الثورات التي أعقبت مؤتمر فيينا، ولاسيما ثورة سنة 1830م وثورة سنة 1848م قد استأنفت الجهاد في سبيل حرية الاعتقاد ومساواة الملل والنحل.
ففي منتصف القرن التاسع عشر تجرد القانون الدولي من طبيعته الدينية تماماً وقطع كل صلة بينه وبين المعتقدات والمذاهب اللاهوتية. وأصبح القانون الدولي المسيحي من أعمال التاريخ وذكرياته ونظرية الدولة المسيحية التي ظهرت في ذلك الحين وأيدها الفقهاء والشراح.
واذا كان حقاً أنه لا يزال إلى الآن كتّاب ومؤسسات تبذل غاية الجهد في سبيل قيام قانون دولي مسيحي لكن ذلك ما كان يلاقي التشجيع من الرأي العام العالمي.
وليس معنى هذا أن الدين قد فقد نفوذه في ميدان السياسة وميدان القانون الدولي في عصرنا الحالي ذلك بأن الحياة الدولية ليست ذات شكل واحد ولا هي متجانسة ، انها مليئة بالفروق والتعدد والتباين مما لا يمكن التغلب عليه واخضاعه فأنت ترى أن الدين في الغرب – ولو من الظاهر– قد أصبح مسألة غير سياسية أو على الأقل قد انحدر من مرتبته الأولى في عالم السياسة إلى مرتبة ثانوية بينما كنت تجد إلى وقت قريب أن الدين هو محور الأمور الداخلية ولاسيما في تركيا حيث كانت الخلافة العثمانية كما كانت في روسيا حيث القيصرية التي اعتمدت على الدين كل الاعتماد.
وإلى إعلان الحرب العالمية الأولى كان الدين في غرب أوربا عملاً من الأعمال الضرورية الخاصة لا دخل له في الميدان العام. أما في شرق أوربا فقد سادت التقاليد الدينية كل الحياة العامة فكنت تجد في ميدان السياسة الشرقية قبل الحرب موضوعات العلاقات بين المسيحيين والمسلمين وحماية المسيحيين في تركيا ، ومسألة اليهود في الشرق وتكون الكنائس الأرثوذكسية القومية ولا شيء يُشبه ذلك بين كبريات المسائل السياسية في أوربا الغربية.
ويبقى من الصعب وضع قواعد في القانون الدولي خاصة بالمسائل الدينية ترضى بها جميع الدول على السواء ولكن الدول الأوربية والولايات المتحدة سبقت إلى طبع سياستها ونظمها بالطابع المدني، ومن الواجب التذكير هنا بالعمل الذي أتمه مؤتمر برلين سنة 1885م بالنسبة لأفريقيا الوسطى فيما يخص حرية الاعتقاد فالمادة 2 من محالفة الكونغو العامة تـنصّ :
((على جميع الدول التي تزاول حقوق السيادة أو أيّ نفوذ في هذه البلاد .. أن يحموا ويساعدوا دون تمييز بين الأجناس والملل جميع المؤسسات والمشروعات الدينية أو العلمية أو الخيرية التي أنشئت ونظمت لهذه الأغراض)) (( ويكون المرسلون المسيحيون والعلماء والرواد والكاشفون وأموالهم ومجموعاتهم موضوع حماية خاصة كذلك .. وتُكفل حرية الاعتقاد والتسامح للمواطنين والأجانب على حدّ ٍ سواء .. وحرية مزاولة الشعائر الدينية جميعاً مزاولة علنية وحق بناء المنشآت الدينية وتنظيم البعثات من جميع الملل كل ذلك لا يجوز أن يكون خاضعاً لأيّ قيد أو يقف في سبيله عائق)).
معاهدة سان جرمان
ولكن معاهدة برلين العامة قد تسنح للقاء بعض الدول بنصوص معاهدة سان جرمان المنعقدة في 10 سبتمبر (أيلول) 1919م (9) التي احتفظت في مادتها العاشرة بالنصوص الخاصة بحرية الاعتقاد وحرية أداء الشعائر الدينية .
ولقد نصّت المادة 18 من لائحة قوانين وعادات الحرب البرية الصادرة سنة 1907م على كفالة الحرب الدينية وأداء الشعائر الدينية لأسرى الحرب بالأتي :
((لأسرى الحرب كل الحرية في إقامة شعائرهم الدينية بما في ذلك إعانة كنائسهم بشرط واحد هو مراعاة اجراءت النظام والبوليس التي تفرضها السلطة العسكرية)) .
ويسري هذا النصّ على المنطقة المحتلة في بلاد العدو . وتنصّ هذه اللائحة ذاتها في المادة 46 على وجوب احترام شرف العائلات وحقوقهم وحياة الأفراد والملكية الخاصة وكذلك المعتقدات الدينية وإقامة الشعائر.
وتنص المادة (56) من هذه اللائحة على احترام أموال المؤسسات الدينية الخاصة بالعبادات حتى وان كانت تابعة للدولة أسوة بالملكية الشخصية .
اتفاقية جنيف
وتنص المادة (9) من اتفاقية جنيف سنة 1906م على احترام رجال الدين التابعين لمؤسسة صحية وتقضي الاتفاقية بتطبيق مبادئ اتفاقية جنيف سنة 1907م على الحرب البحرية في مادتها العاشرة بأن للخَدَمَة الدينيين في المراكب التي يأسرها العدو حصانة ، وليس من الجائز اعتبارهم أسرى حرب .
دور الكنيسة الكاثوليكية
وفي جميع الاتفاقيات الدولية السابقة على وضع القانون الدولي بصورته الحالية كان للبابوية وسلطتها الروحية أثراً فيما يخص البنود الخاصة بوضع الأديان وكل ما يتصل بها ، نظراً لما كان يتمتع به رأس الكنيسة الكاثوليكية من نفوذ واسع في العصور الوسطى وبالرغم من تقلص نفوذه تدريجياً وخاصة في القرن التاسع عشر لكن بقي أمره مؤثراً في هذا الموضوع ولعل أول الاتفاقيات الحاسمة التي أبرمها البابا مع نظرائه ساسة أوربا ، وقد عقدها بصفته الروحية وبين السلطة الزمنية للدولة، وتطرقت للنزاع بين الكنيسة والدولة ، كانت سنة 1122م ، وتلتها اتفاقيات أشهرها اتفاقية ورمز وكونكوردات سنة 1516م مع فرنسا التي ألغت (10) الضمان الديني ببورج ولكنها ألغيت سنة 1561م ، وقد أصبحت الكونكوردات مألوفة منذ القرن التاسع عشر ، وكانت تحدد طريقة تعيين الأساقفة ، ووضع المدارس والطوائف والممتلكات الدينية ، ومنها كونكوردات سنة 1801م بين البابا بيوس السابع ونابليون الأول وقد أعادت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، لكن فرنسا نقضتها سنة 1905م وفصلت الكنيسة عن الدولة .
ورغم تضاءل نفوذ البابا وزوال سلطته الزمنية تدريجياً فقد بقي له شأن كبير في السياسة الدولية وخاصة في دوره لحل المشاكل بين الدول والتوفيق بين الملوك فمن ذلك توفيقه بين أسبانيا وألمانيا سنة 1885م بشأن جزر كارولين ، وبين جمهوريتي هايتي وسانتو دومنيكو في أمريكا سنة 1895م إذ عين حكماً بين الفريقين أثر اختلاف على الحدود، وفي سنة 1898م أيضاً عرض البابا ليون الثالث عشر وساطته للتوفيق بين أسبانيا والولايات المتحدة .
تضعضع السلطة الزمنية للبابا
ومن سنة 1815م إلى 1870م حدثت اضطرابات كثيرة في الأقطار البابوية أدت إلى تصدع المعاهدات بين الدول مراراً. فمن ذلك مداخلة النمسا سنة 1831و1832م لقمع ثورة الشعب على البابا غريغوريوس السادس عشر وقد اعترضت فرنسا إذ ذاك على تلك المداخلة واحتلـّت مدينة انكونا.
وفي سنة 1849م حدثت ثورة أخرى وأعلنت الجمهورية في روما واضطر البابا إلى مغادرة عاصمته والالتجاء إلىGaete جيتي ولكن فرنسا تدخلت في الأمر وأعادت البابا إلى كرسيه . غير أنها ظلت محتلة لروما مقابل حمايتها للبابا.
وفي 15 أيلول (سبتمبر) 1864م أمضي اتفاق بين فرنسا والبابا ورضيت فرنسا بموجبه أن تجلي عن روما في سنة 1866م وتعهدت ايطاليا بحماية الأقطار البابوية ، ولكن جيش غاريبالدي في سنة 1867م أتجه نحو روما فاحتلها الجيش الفرنسي ثانية سنة 1870م. ولكن الحكومة الفرنسية في تلك السنة استدعت جيش الأحتلال من روما بسبب الحرب البروسية فاغتننم الإيطاليون الفرصة ودخلوها واتخذوها عاصمة لهم .
قانون الضمانات البابوية
بعد سقوط روما في يد الجيش الإيطالي في 20 أيلول (سبتمبر) 1870م اتخذ الملك فكتور أمانويل ملك ايطاليا المتحدة ، من مدينة القياصرة والبابوات عاصمة لمملكته، وبذلك انتهت الدولة البابوية، وانتهى سلطانها الزمني، وأرادت ايطاليا الجديدة أن تطمئن العالم الكاثوليكي على مصير الكرسي الرسولي، فأصدرت قانون الضمانات البابوية في مايو 1871م ، وخلاصته :
أن يحتفظ البابا بألقابه وامتيازاته الملوكية، ويمنح كل ضروب الإعفاء السياسي ويحتفظ بتنظيم البعثات السياسية ، ويعتمد الوزراء المفوضين لديه وغير ذلك، ولكن البابا بيوس التاسع، وهو خليفة الكرسي الرسولي يومئذ ، رفض قانون الضمانات، وقدم احتجاجاً رسمياً على ما وقع من اغتصاب أملاك الكنيسة وسلطانها، وهو احتجاج كان يجدده خلفاؤه كلما ارتقى أحدهم كرسي البابوية ، ولبثت البابوية محتفظة بموقفها ، والتزم البابا قصر الفاتيكان لا يغادره قط مبالغة في الاحتجاج على اغتصاب سلطانه.
معاهدة لاتران (11)
ولما ارتقى بيوس الحادي عشر كرسي البابوية، بذلت السياسة الايطالية في ذلك جهداّ جديداً، وأبدى موسوليني رئيس الحكومة الفاشستية حينئذ استعداده لحل المعضلة البابوية على قواعد مرضية، وانتهت المفاوضات بين حكومة روما وبين الكرسي الرسولي إلى عقد معاهدة لاتران في كانون الثاني (يناير) 1929م، واسترد الكرسي الرسولي سلطته الرمزية التي فقدها منذ سنة 1870م ، وهي سلطة رمزية لا تتعدى الصروح البابوية ذاتها، ولكنها كافية لأن تـُسبغ صفة الاستقلال والسيادة على الدولة البابوية الجديدة، وعلى أثر ذلك غادر البابا قصر الفاتيكان لأول مرة منذ سنة 1870م وخرج في موكب حافل ليتولى القداس في كنيسة القديس بطرس.
وقد نصت معاهدة (لاتران) على الاعتراف بالملكية المطلقة والسلطة الكاملة والقضاء الأعلى للكرسي الرسولي على قصر الفاتيكان وتعترف بإنشاء مدينة للفاتيكان Cite du Vatican مصرحة بأنه لا يجوز للحكومة الإيطالية أن تقوم بأي تدخل في هذه المدينة ، ولا يعترف فيها بأية سلطة غير سلطة الكرسي الرسولي ، ويتبادل الطرفان تعيين الممثلين المعتمدين، وأن يحتفظ الكرسي الرسولي بحيدته بعيداً عن كل المنافسات الزمنية والمؤثرات الدولية ، واعتبار مدينة الفاتيكان وفي جميع الأحوال منطقة محايدة لا يجوز انتهاكها.
ومما تضمنته المعاهدة حق الكرسي الرسولي في الاشتراك في وضع التعليم الديني للمدارس المتوسطة ، وتتعهد ايطاليا بالسماح لمرور وسائل النقل والمواصلات الخاصة بمدينة الفاتيكان في أراضيها ، وتلتزم بضروب مختلفة من الإعفاء نحو الأراضي الكنسية ونحو رعايا الكرسي الرسولي وموظفيه المقيمين خارج مدينة الفاتيكان .
العلاقات الكنسية مع الأمم غير المسيحية
وبهذا لم يعد سلطان الكنيسة الكاثوليكية قائماً في أوربا كما كان الحال في القرون الوسطى فقد اضطلعت الفاتيكان بدورها الروحي وحسب وتقلص دورها السياسي.
أما موقف الكنائس الأخرى بشأن التدخلات السياسية فقد تفاوت القبول والرفض ، ولكن بشكل عام لم يكن رجال الكنيسة راضون تمام الرضا عن تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي كانت تجري في الحواضر الغربية وخاصة منها ما يتعلق بالحقوق الدينية ، ومن أبرز الشواهد على ذلك موقف الكنيسة بعد إبرام معاهدة (لوزان) في سويسرا سنة 1922-1923م حيث تمكن (المسلمون) الأتراك من الحصول على امتيازات كثيرة أهمها استرجاع تراقية الشرقية ، والسيطرة على منطقة الدردنيل على أن تبقى غير مسلحة ، وبعض الجزر في بحر ايجه ، وإقليم أزمير ، واتفقت تركيا مع اليونان على تبادل رعاياهم .. الخ.
وهذا ما لم يعجب أساقفة الكنيسة الابسكوباليه حيث تقدم مائة وعشرة من أساقفتها ببيان رفضوا فيه تلك المعاهدة واعتبروها غير شرعية ((لعدم شرعية استئناف علائق ولائية مع أمة غير مسيحية (!) )) ولما قدم البيان إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ردّ عليهم السناتور بوراه رئيس لجنة العلاقات الأجنبية في مجلس الأمة الأمريكي حينذاك ، ومما جاء في رده :-
((.. وفي احتجاجكم تقولون بعدم استئناف علاقتنا الولائية مع دولة غير مسيحية وغير تائبة ؟ فأنا يا حضرة الأسقف مانين أستحسن أن تعمد حكومتنا إلى إيجاد هذه العلائق الولائية مع كل الدول وكل الشعوب، لأنه برفضنا العلائق الولائية مع جميع الشعوب التي ترفض المسيحية ، لا تكون حكومتنا تجري على خطة غير معقولة فقط ، بل حسبما أعتقد أنها تكون تهمل الغرض العظيم من مفاد المسيحية في الشؤون الدولية، ألا وهو إيجاد علائق ولائية ليس فقط مع الدول المسيحية الأخرى ، بل بالأحرى مع غير المسيحية منها وذلك لكي تدنيها إلينا بحيث تتماشى مع التعاليم المسيحية ثم هل يمكننا القيام بخدمات فعلية لأتباعنا في تركية، هل نتوقع التمكن من التأثير على تكييف السياسة على انموذج إنساني أو سياق ديني في ذلك الإقليم الخصوصي من العالم إذا نحن قطعنا العلائق مع ذلك الشعب وابتعدنا عن كل ما يسهل لنا سُبل التأثير النافع على شؤونه)).
((أما قطع المعاهدات والعلائق السياسية الولائية فأنه يعرض أتباعنا هناك للخطر الكبير ويضّر بمصالحهم فلا نعود قادرين على مساعدتهم بغير القليل الذي نتمكن من القيام به، ولست أعتقد بأن التركي قد تغير عما كان عليه ولكنه في طريقه إلى التغيير ويظهر ذلك من التطورات الطارئة على تركيا اليوم.
إن الشعوب والدول تنزع عنها خصالها وتقاليدها ببطء كما يدل عليه المظهر المخيف البادي في أعمال الدول المسيحية التي من يوم تعلمت تلك الأمثولة القاسية في الحرب العامة لا تزال مصممة على استخدام القوة بل لا تزال تخصص الملايين بعد الملايين لكي تبتدع وسائل قتالة تبغي بها إهلاك الشعوب المسيحية الأخرى ، وغير خافي أن الحرب العامة لم تكن بوجه من الوجوه أفضل ما يمكن إيجاده من الامثولات النافعة لغير المسيحيين من شعوب العالم بل بالحري كانت أمثولة رديئة)).
النزاعات الدينية
ما تزال النزاعات الدينية، من أهم الأسباب التي تهدد السلام العالمي وهي تتركز اليوم في عدة أمكنة من آسيا وأفريقيا، في الوقت الذي خفـّت فيه تلك النزاعات أو انعدمت في غالبية الدول الغربية (12) ، التي تسامت على جراحات الماضي واستفادت من الحروب السابقة وازدادت خبرة وتجربة فاتفقت فيما بعد على ضرورة عدم إقحام الاعتقادات الدينية في الخلافات السياسية في حين ما تزال الكثير من الدول النامية ترزح في الخلافات ذات المنشأ الديني ومنها عدد وافر من البلدان الإسلامية، ويفترض بعقلاء الأمة ! أن يتعاونوا على صياغة مبادئ حرية الاعتقاد المناسبة لهذا العصر والعمل على تحييد الدين في الصراعات الدولية وتكريسه للمصالح الدنيوية السياسية بدلاً من مهامه الأساسية في الخدمة الروحية.
وتختلف هذه النزاعات في طبيعتها وأحوالها من بلد إلى آخر لكن احراها بالحل السريع المسألة الشيعية التي تعبر عن محنة ملايين الشيعة في عدة قارات فهي تتجاوز الدول كما تجاوزت الحد المعقول لأمد الاضطهادات التي طالتهم منذ أربعة عشر قرناً، وقد آن لبقية السيف أن يستريحوا من عناء الآلام وذكريات الماضي المرعب الظلوم.
إن فكرة الدولة الروحية للشيعة ماثلة في الأذهان منذ قرون ، لكنها مشروع يخشى الشيعة أنفسهم إخراجه إلى حيّز العلن بعد أن كانت السيوف مشرعة على رؤوسهم، وأجد أن هذا اليوم هو من أفضل الأوقات لظهوره، ومع أن عدد من مجتهدينا يلزمون الصمت أو يُؤثرون التقية على ذلك فقد رأيت المجاهرة بالمشروع ليأخذ نصيبه من النقد والتقويم ووضع الخطط المناسبة لإبرازه وإنجاحه وتطبيقه عملياً.
الدولة الشيعية
والآن نجد أن البحث قد انساق بطبيعته إلى التحدث عن هدفنا الأساسي في قيام ( دولة النجف ) التي تتوسط الفرات العريق بحضارته والغني بثقافته، فالفرات الأوسط بلد ذو تقليد خاص وهو جزء مما اصطلحنا على تسميته بلاداً عربية، وطابعه الشيعي المتميز تجعل منه بلداً ذا نظام خاص .
ومن يتتبع ميول أهله واتجاه ثقافتهم والتمشي مع ماضيهم وتراثهم والتطلع لأمانيهم يرى الرغبة الجامحة لدى أبنائه لقيام دولة روحية تتكفل بقيام المرجعية لأداء دورها التاريخي والحفاظ على الكيان الشيعي، وهذا هو القرار الوحيد الذي يرضي تطلعاتنا وطموحاتنا ، في إثبات حقنا التأريخي ويحقق لنا الطمأنينة والسلام مع توفرنا المبدئي على شرعية قيام هذا المشروع ، حيث لا يرى الشيعة بأساً من الناحية الدينية على تأسيسه، وان نتحد اتحاداً حقيقياً Real Union مع دولة العراق الزمنية ، إذ لا منافاة لدينا في هذا العصر أو العصور السابقة لقيام حكومة زمنية أو الاتحاد معها إذا حكمت برضا الناس واختيارهم ، وأدت واجبها كدولة صالحة تحفظ الأمن والنظام، وتصون لكل ذي حق حقه ، وتحصّن الحدود من الاعتداء ، على شريطة أن لا تتعرض للحرية الدينية من قريب أو بعيد ويدل على ذلك قول الإمام علي بن أبي طالب (ع) حين بويع الخليفة الثالث عثمان بن عفان :
((والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا ّ عليَّ خاصة))(*).
و أن يقر (الدستور الشيعي) المرتقب كل هذه الحقوق والواجبات من الناحية القانونية لتكون ملزمة للجميع بما في ذلك علاقتنا الأخوية المصيرية مع أهل السنة والجماعة وضرورة التسامح والتحلي بروح الأخذ والعطاء هي أكبر ضمان للتعايش معاً، بل إن لم يكن التسامح قاعدة للعمل فلا يرجى خير لهذا العمل وليس التسامح مما تفرضه الأديان والأخلاق فقط ولكنه مما تجعله المصلحة ضرب لازب.
فبالتسامح ينال كل شيء وبالتسامح يُعطى الناس ملكوت الأرض والسماء. ومثلما تلتزم الدولة النجفية بالتسامح تلتزم الدولة العراقية بالديمقراطية ففي نظرنا أن للدين ولأنظمة الحكم والسياسة حدود مباينة، فالدين يمكن أن يكون عاملاً من عوامل انتشار الديمقراطية ونجاحها إذا فسحنا المجال له كي يخدم الديمقراطية، كما تستطيع أن تخدم الدين وهي أن يعرف كل منهما ميدانه الخاص وأن يلزم كل منهما حدود ميدانه، فلا يتجاوزها ولا يتعدى على حدود صاحبه وبذلك يستقر بينهما الأمن ويستمر السلام.
--------------------------------------------------------------------------------
(*) ورد قوله عليه السلام في نهج البلاغة.
وهذه الكلمة هي آية في إيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وعمل بها (ع) طيلة حياته يسلم ما سلمت أمور المسلمين ويحارب كل من يمسها بسوء ولو كان من المسلمين ومن كبار الصحابة.
لقد سالم الخليفة الأول وشدّ أزره أيام الردة، وسالم الخليفة الثاني وبذل له غاية النصح وأصوب الآراء حتى جعله يقول :
((لا كنت لمعضلة ليس فيها أبو الحسن – ولولا علي لهلك عُمر)) وسالم الخليفة الثالث أيضاً ونصحه وأرشده في أحلك الأيام والساعات، وكانت غايته الأولى من ذلك انتصار الإسلام وسلامة أمور المسلمين ، وللغاية الأخيرة حارب الناكثين والقاسطين والمارقين في أيام (الجمل) و(صفين) و(النهروان) ، فحروبه هذه كلها لم تكن بدافع طائفي كما توهم البعض. لأنه لم يحارب في هذه الحروب الثلاث بصفته إمام طائفة ، بل حاربهم جميعاً بصفته إمام وخليفة رسول الإسلام.
اختاره المسلمون وبايعوه في المسجد الأعظم، وفي مقدمتهم أهل الحل والعقد من الصحابة والمهاجرين والأنصار وفي طليعتهم طلحة والزبير قائدا حرب الجمل.
ولقد تقبل علي البيعة بعد أن قال ((دعوني والتمسوا غيري فانا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت له العقول. واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم. ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب)).
ولقد مشى أكثر أبناء علي وشيعته على هذه الخطة المثلى يسالمون ما سلمت أمور المسلمين ويحاربون من يمسها بسوء ولو كان من المسلمين، والتاريخ ملئ بثوراتهم الدامية على بعض الملوك الجائرين الاتفاقيات العثمانية – الصفوية
وما دمنا في موضوع التطبيق القانوني لدولة النجف، فمثلما استعرضنا أهم الاتفاقات الدولية وبنودها الخاصة بالحقوق الدينية لدى الأمم الأوربية والتي اتخذت ركيزة للقانون الدولي، نستعرض الآن بعض الأحداث التاريخية التي مرّت بها الطائفة الشيعية منذ العهد العثماني إلى اليوم ولا يعدو هذا التوثيق إلا صورة موجزة لوضع الشيعة القانوني، وبإمكان الباحث التوسع فيه جداً في المراجع المعنية به لتتضح له جلية أبعاد المأساة التي عانت منها هذه الطائفة الدينية منذ معركة كربلاء عام 61هـ -680م إلى عهد المقابر الجماعية القائمة الآن.
لقد وقع الشيعة ضحية الخلافات التاريخية بين تركيا وايران في القرون السابقة ، ومنذ سيطر العثمانيون على بلاد ما بين النهرين ، قامت حروب كثيرة بين الدولتين العثمانية والصفوية، وكان الدافع السياسي هو الأساس فيها وإن اتخذ صورة الخلاف المذهبي بين البلدين حيث كان ملوك الصفويين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن إدارة أضرحة أئمة الشيعة في كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية ولهذا حاولوا فرض سيطرتهم على العراق وفي مايو 1555م وبعد عشرين سنة من الحرب المستمرة تم توقيع اتفاقية بين البلدين باسم اتفاقية (آماسية) التي فرضت إيران بموجبها سيادتها على أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وتعهد السلطان العثماني سليم بمراعاة أحوال الشيعة في العراق والسماح للإيرانيين بزيارة العتبات المقدسة.
وبعد فترة اندلعت الحرب مرة أخرى بين البلدين ثم جرى توقيع اتفاقية اسطنبول عام 1589م ، وفي عهد شاه عباس الصفوي ، سقطت بغداد في أيدي القوات الإيرانية ، وأصبحت كافة أراضي ما بين النهرين خاضعة لإيران ، وفي نهاية العهد الصفوي احتلّ العساكر العثمانيون العراق مرة أخرى، إلى أن ظهر نادر شاه في إيران وهزم الأفغان ووحّد البلاد ونتيجة لازدياد قوته ونفوذه توجه إلى الحدود الغربية لإيران وشنّ هجوماً واسعاً ضد العثمانيين وبعد فترة من الحرب اتفق الطرفان على عقد معاهدة تدعى معاهدة (كردان) اعترفت بموجبها الحكومة العثمانية بحقوق إيران التأريخية والمذهبية في العراق.
ومرة أخرى في حزيران 1823م جرى عقد اتفاق بين البلدين في أرض روم كان معظم بنوده حول حقوق الإيرانيين في العراق وحرية تنقلاتهم في المدن الشيعية المقدسة.
هذا بعض ما كان من الاتفاقيات القانونية، وتجد فيها التركيز على وضع العتبات المقدسة الشيعية والتنافس بين الدولتين على احترامها بغية كسب أبناء البلاد والرعية الشيعية في العراق وخارجه فماذا الذي اكسبه هذا التنافس بين الدولتين للعتبات ذاتها وذلك ما نحاول استعراضه في السطور التالية.
التنافس العثماني الإيراني حول العتبات المقدسة
حين دخل الشاه إسماعيل الصفوي الأول - مؤسس الدولة الصفوية - بغداد فاتحاً سنة 914 هـ - 1508 م قصد مراقد الأئمة وفرشها بالبُسط النفيسة المنسوجة من الحرير والإستبرق وعلـّق اثني عشر قنديلاً من الذهب في أطراف المرقد الحسيني ، وبذل الأموال للذائدين بقبره وتوجه إلى النجف ، وعلى بُعد 30 كيلومتراً ترجّل عن فرسه وخلع نعله وأنعم على كافة سكنة النجف ثم رجع إلى كربلاء وانتقل إلى بغداد فزار الكاظمية وسامراء وبعد أشهر وجيزة عاد إلى العراق زائراً مرة أخرى وأهدى الكثير من الهدايا القيمة والطنافس الحريرية المطرزة والديباج (13) .
وفي سنة 1034هـ - 1624م أعاد السلطان العثماني مراد الرابع العراق إلى حوزته .
وفي 27 جمادى الأولى سنة 1039هـ - 1629م احتل بغداد مرة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وزار كربلاء يوم عيد فقبّل أعتاب ضريح الإمام الحسين وأخيه العباس بعد أن نذر النذور وأكرم ذوي الحاجة (14) .
وفي سنة 1156هـ - 1646م توجه نادر شاه لزيارة العتبات المقدسة وبذل لها الهدايا ، وقدّمت زوجته رضية سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين ألف نادري لتعمير جامع المشهد الحسيني (15) .
ولما تسلّم الحكم السلطان سليمان القانوني كان همّه أن يزور العتبات المقدسة وأن يفعل هناك أكثر مما فعله الصفويون وقد زارها فعلاً وقدم لها الكثير من الخدمات والهدايا (16) .
وفي سنة 1207هـ - 1791م قام آغا محمد خان مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبة الحسينية. مذبحة كربلاء الثانية
وقعت في كربلاء المقدسة ثلاث وقائع دامية بعد الواقعة الأولى (معركة الطف) التي استشهد فيها الإمام الحسين وصحبه الأطهار، فالوقعة الثانية كانت من قبل الوهابيين المتعصبين والوقعة الثالثة كانت بسبب العثمانيين والرابعة عام 1991م حين استباح الجيش البعثي الصدامي كربلاء المقدسة وخرب المدينة القديمة وقتل أهلها كما هو معروف لأبناء جيلنا الحاضر، وما يهمنا في هذه السطور هو إلقاء الضوء على المذبحتين الثانية والثالثة.
فالواقعة الثانية كانت تستهدف تحطيم ونهب العتبات المقدسة وكان ذلك في 18 ذي الحجة 1216هـ -22 نيسان 1802م حيث زحف الوهابيون صعداً نحو شط الفرات خط الحدود ومنه دخلوا إلى كربلاء المقدسة بعد أن اجتازوا تحصيناتها البسيطة، وسرعان ما دخلوا مشهد الحسين ومشهد العباس ونهبوا جميع صفائح الذهب وجميع الأحجار الكريمة والسجاجيد النفيسة التي لا تقدر بثمن، وقاموا بقتل الزائرين داخل المشاهد المقدسة وبلغ عدد القتلى أكثر من خمسة آلاف (17).
وكان لهذا الحادث المروّع صداه المؤسف في اسطنبول وإيران على السواء كما ترك صداه في عموم العالم الإسلامي لما سبقه من هجوم الوهابية على المرقد النبوي وبيوت العبادة والأضرحة في مكة والمدينة ، ولم يكن أولئك الغزاة بمجموعات منظمة تقبل التفاوض أو الحوار فقد كانت أشبه بالعصابات المسلحة من أفراد القبائل المتعصبين الذين يكفرون من عداهم من الأمم، وقد قام أحد الشيعة العراقيين بالانتقام لواقعة كربلاء وتمكن من اغتيال رئيسهم عبد العزيز آل سعود في رجب 1018هـ - 1803م (18) .
العثمانيون والخطر الوهابي
ولما تفاقم خطر الوهابيين اهتمت الدولة العثمانية للقضاء على هذا الخطر، وفي سنة 1226هـ - 1812م طلبت من محمد علي الكبير والي مصر أن يستعد لمحاربة الوهابيين، وقد توجهت الحملة المصرية فعلاً واحتلّت مكة والمدينة بين سنتي 1227 – 1228هـ وأرسلت مفاتيح الحجرة النبوية إلى الآستانة وانتهى المطاف باحتلال الدرعية عاصمة السعوديين آنذاك واستمرت بعد ذلك الحروب سجالاً بين ما تبقى من الوهابية من جهة والجيش المصري والدولة العثمانية من جهة أخرى ، واستعان العثمانيون أيضاً بالحملات الدينية ضد الأفكار الوهابية وكان مردها لشعور السلطان العثماني (19) ، وبعضها عن عقيدة خالصة وباستعراض الكتب والردود التي كتبت ضد الوهابية في ذلك الوقت تجد جميع المسلمين في المشرق والمغرب قد وقفوا ضد مبادئها المتطرفة (20) ، ومن أكثر ما أثاره الوهابيون تهديمهم للأضرحة والقبور التي يعتقد الناس حرمتها وسرقتهم للحلي والنفائس وإزالة ما على قبر الرسول (ص) من التحف والقناديل وقتلهم النفوس البريئة المحترمة وتكفيرهم لكل من لم يؤمن بأفكارهم، وكانت ثورات قبائل نجد والحجاز على الوهابية لا تقل عن أية ثورة سياسية أو دينية.
مشكلة البقيع
كان البقيع (بقيع الغرقد) المقبرة التاريخية الكبرى لمدينة الرسول (ص) ، وقد دفن فيها نحو عشرة آلاف صحابي وعدد كبير من أولياء المسلمين وفي مقدمتهم إبراهيم ورقية وفاطمة أولاد الرسول (ص) وفاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص، وخنيس بن حذافه ، وفيها قبة الإمام مالك ، وقبة نافع شيخ القراء ، وغيرهم.
ويعتبر الشيعة هذه المقبرة في مصاف العتبات المقدسة الكبرى لديهم بعد الكعبة ومرقد الرسول (ص) حيث تضم مقبرة البقيع العديد من أضرحة أئمة أهل البيت، وهم :
الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب ، والإمام علي بن الحسين زين العابدين، والإمام محمد بن علي الباقر، والإمام جعفر الصادق.
هذا بالإضافة إلى قبة إسماعيل بن جعفر الصادق ، وقبور زوجات النبي (ص) وقبور بناته (ص) : رقية وزينب وأم كلثوم ، وقبة الحزن أو بيت الأحزان ((وهي القبة التي آوت إليها فاطمة بنت الرسول (ص) والتزمت الحزن فيها بعد وفاة أبيها (ص) )).
ويزور الشيعة وغيرهم من أهل المذاهب الإسلامية جميع هذه القبور للاعتبار والاستغفار كما يدل عليه حيث عائشة عند مسلم والنسائي، وفيه :
((إن جبرائيل قال للنبي (ص) : إن ربك يأمرك أن تأتي إلى البقيع فتستغفر لهم)) ، وهكذا دأب أهل المدينة في كل خميس أن يزوروا تلك المواضع الطاهرة كل يوم خميس ويضعون على القبور الرياحين والزهور، وكان المسلمون يقصدونها بالزيارة كذلك حينما يتشرفون بالحج إلى بيت الله الحرام ، ومنهم عدد غفير من الشيعة ونظراً لمواظبة الشيعة واهتمامهم لزيارة أئمتهم خاصة فقد كان يُفرض عليهم رسم دخول مُعيّن (21).
وقد ظلـّت هذه القبور سليمة في العهد السعودي الأخير أكثر من أربعة أشهر دون أن يمسها أحد بسوء ، وقد أخذ التذمر ينتشر بين الوهابيين جرّاء ذلك وصاروا ينتقدون ابن سعود ويتهمونه بالتساهل في تنفيذ أوامر الله (22) .
وفي 28 شوال 1344هـ ، وأواسط نيسان 1926م أمر كبير علماء نجد الشيخ عبد الله بن بليهد بالذهاب إلى المدينة وهدم القبور ونُفذت أوامره بالفعل مما سبب هياج الأمة الإسلامية في كافة الأقطار وانهالت رسائل الاحتجاج والاستنكار(23) على آل سعود والوهابية، وقد قام الشيعة بالاحتجاج لدى بريطانيا لعلاقة الأخيرة الوثيقة بآل سعود وقد ورد في التقرير الذي بعثه السفير اندروريان من جدة إلى وزارة الخارجية البريطانية، ما يلي :
((إن تدنيس الأضرحة والمقامات وانتهاك قدسيتها منذ الغزو الوهابي هي مصدر شعور عام بالغضب عند المسلمين الأجانب الذين يُجلـّون هذه الأماكن منذ القدم وكذلك أبناء البلاد الذين لم يكونوا معتادين على تقديسها فحسب، بل إنها وفي بعض الحالات كانت مصدر كسب مادي لهم أيضاً)) (24) .
نشاط الجمعيات الأهلية للحفاظ على المقدسات
وكان عدد من عقلاء الأمة الإسلامية قد توقعوا حدوث مثل هذه التجاوزات على الأمكنة المقدسة في الحجاز خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية ، فأنشأت من أجل ذلك عدة جمعيات أهلية لحماية العتبات المقدسة ، ومن أولى هذه الجمعيات جمعية ((خدام الكعبة)) التي أسست في الهند وصدر قانونها المسمى ((دستور العمل لجماعة خدام الكعبة)) بمدينة عليكره الهندية في 13 يونيو 1913م ومن الموقعين عليه الإمام قيام الدين عبد الباري الفرنكي محلي اللكنوي الذي كان أحد مؤسسيها وواصل نشاطه من أجلها أحدى عشرة سنة حتى وفاته سنة 1342هـ .
ومنهم : الدكتور ناظر الدين حسن المحامي في لكنو، والمستر محمد علي صاحب جريدتي (كامبرد) الإنجليزية و(همدرد) الأوردية في دهلي، والمستر شوكت علي أحد أعلام الهند المشهورين وغيرهم، وأول بنود الدستور هو الإبقاء على حرمة الكعبة وعزتها، وبعد تهديم قبور البقيع أقامت الجمعية مؤتمراً كبيراً ضم جميع طبقات مسلمي الهند باسم (مؤتمر الحجاز) بمدينة لكنو Luoknow في يوم 26 سبتمبر 1926م تحت رئاسة شريف بومباي السيد سالبهوي بارودا والا ، وكان بمثابة أكبر احتجاج ضد الوهابية وجاء في احدى قراراته ((وقف الحج لأن النجديين يعدون جميع المسلمين من غير الوهابيين كُفـّاراً أبيحت لهم أموالهم وأرواحهم)) ونصح المؤتمر جميع البلدان الإسلامية أن تفعل ذلك وتساعد الحجازيين المتألمين.
وقد ردّ الوهابية على مؤتمر الحجاز بأنه عبارة عن حلف جديد بين الشريف الحسين بن علي وبين الشيعة، مع أنّ المؤتمر كان مؤتمراً إسلامياً عاماً ودعت إليه جمعية سنية معروفة الهوية والأعضاء ومسجلة في الهند منذ العهد العثماني.
وفي 10 محرم 1344هـ أصدر (قلم الاستخبارات الحجازي) وثيقة بـ(19) صفحة تتضمن التقرير المرفوع من أهالي مكة المكرمة إلى وفد جمعية الخلافة الذي قدم إليها في حج عام 1343هـ وتمت فيه الإشارة إلى هدم الآثار الإسلامية (ص5) كما أصدرت جمعية أخرى هي (جمعية خدام الحرمين الشريفين) ومقرها الهند، أصدرت خلاصة مفاوضاتها مع سلطان نجد والتي جَرَت في غضون يناير – فبراير 1926م وجاء فيها في الصفحة (ج) ما يلي :
((ظهر أن ابن السعود لم يرتبط بعهوده .. فنكث بها وجاءت الأخبار باقتراف جيوشه المغارم والمظالم والقتل والسلب وهدم المآثر الغراء وسلب الحرية الشخصية والحرية الاعتقادية وكذلك تجلـّت حقيقة اتحاده مع بريطانيا)).
وكان وفد الجمعية ممثلاً من السيد حبيب مدير جريدة (سياسة لاهور) رئيساً ، ومولانا فضل الله خان مدير جريدة (رسالت) سكرتيراً ، والأعضاء : مولانا أحمد مختار صدّيقي رئيس جمعية العلماء في بومباي ، وميان عبد العزيز من تجار لاهور، ومن جانبها أصدرت ((وزارة الخارجية للحكومة الحجازية)) وثيقة في 35 صفحة عن مهمة الوفد الهندي في الحجاز واشفعتها بكلمة ((مخابرات رسمية)) أوضحت فيها وجهة نظرها من الأحداث القائمة في بلاد الحرمين الشريفين.
وقد استطاعت الدولة السعودية بعد ترسيخ أقدامها في الحجاز ونجد وبعد تدفق الثروة البترولية في البلاد أن تلملم الآثار السلبية التي أفضت عنها السياسة الوهابية السابقة ، وقامت بتجنيد جماعة من وعاظ السلاطين لخدمتها وتبرير انتهاكاتها للحقوق الدينية وخاصة ضد الطائفة الشيعية التي يمثل أبنائها جزءاً مهماً من سكان البلاد. ما برح الوهابيون ينظرون إلى الشيعة من المواطنين في (المملكة السعودية) حالياً ، أو الشيعة الحجاج القادمين للزيارة ، نظرة العدو إلى عدوه ، وقد أطلقت أيديهم لإهانة المسلمين بغير حساب، وبأيديهم السياط يلهبون بها رؤوس الحجاج المؤمنين ، وظهورهم ، بل وجوهم ظلماً وعدواناً بلا إنسانية تقتضيها على الأقل مجاملة الوافد الغريب، وما يزالوا ينادون الشيعة بنداء ((يا كافر .. يا مشرك!)) وكأن الوهابية احتكرت لنفسها الإسلام فكل المسلمين مشركون كافرون من يوم الإسلام إلى ظهور مصلحهم محمد بن عبد الوهاب، واضطهاد الشيعة في السعودية لم يعد اليوم سرّاً، خصوصاً بعد فتاوى التكفير للشيعة التي أصدرها كبار شيوخ الوهابية وهي فتاوى عديدة ، والقوم مصرون على ذلك بتكرارهم لهذه الفتاوى التي من شأنها توهين المسلمين ، وهذه واحدة من فتاوى التكفير الظالمة :
((من مُحمد بن عبد اللطيف وسعد بن عتيق وسليمان بن سحمان وعبد الله بن عبد اللطيف ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن عثمان الشادي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد ، فقد ورد علينا من الإمام سلمه الله تعالى سؤال من بعض الأخوان من مسائل فطلب منا الجواب عليها فأجبناه بما هو نصه :
((... وأما الرافضة فأفتينا الإمام أن يلزمهم البيعة على الإسلام ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل. وعلى الإمام أيضاً أن يلزم نائبه على الإحساء أن يحضرهم عند الشيخ بن بشر ويبايعون على دين الله ورسوله وترك دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم، وعلى ترك سائر البدع من اجتماعهم على مآتمهم وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويمنعون من زيارة المشاهد وكذلك يلزمون بالاجتماع على الصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد، ويرتب فيهم أئمة ومؤذنين ونواب من أهل السنة ويلزمون بتعلم ثلاثة الأصول ، وكذلك إن كان لهم محال مبنية لإقامة البدع تهدم ويمنعون من إقامة البدع في المساجد وغيرها ومن أبى قبول ذلك ينفى من بلاد المسلمين، وأما الرافضة من أهل القطيف فليزم الإمام الشيخ ابن بشر أن يسافر إليهم ويلزمهم بما ذكرنا، وأما البوادي والقرى التي دخلت في ولاية المسلمين فأفتينا الإمام أن يبعث لهم دعاة ومعلمين ويلزم نوابه الأمراء في كل ناحية بمساعدة المذكورين على إلزامهم بشرائع الإسلام ومنعهم من المحرمات.
وأما رافضة العراق الذينa انتشروا وخالطوا بادية المسلمين فأفتينا الإمام بكفهم من الدخول في مراتع المسلمين وأرضهم ...)) حرر في 8 شعبان 1345 هــ )) محمد سعيد الطريحي وكتابه دولة النجف
| |
|