الأدبيات العامة للرقابة الحكومية
2 – 1 – 1 تعريف الرقابة بشكل عام – Definition of Control As Generally :
تعرضت الكثير من المراجع إلى مفهوم الرقابة بشكل عام نتناول أهمها بالتحليل والدراسة كما يلي:
أ. الرقابة هي عبارة عن عملية ترشيد علمي للقرارات التي يتخذها المسئولون في دورة العمل المتسلسلة بدأً بالتخطيط، ثم التنظيم والتنسيق، ثم تستمر بالتنفيذ وتكتمل بالمتابعة والتقويم.
ب. تتمثل الرقابة في تحديد مجموعة من الأهداف التي تسعى الوحدة الاقتصادية لتحقيقها حتى يستطيع القائمون بالعمل أن يوجهوا جهودهم نحوها، أي أن الرقابة يجب أن تنصب على ما إذا كانت الجهود تبذل لتحقيق الأهداف المطلوب تحقيها أم لا.
ج. هنالك اتجاهان فيما يختص بتحديد ماهية الرقابة:
الاتجاه الأول:
يهتم بوجود عمليات وإجراءات معينة يلزم توافرها حتى يمكن تحقيق الرقابة الفاعلة، وتشمل تلك الإجراءات: تحديد الأهداف مقدماً، وتحديد العمل المطلوب أداؤه في ضوء الأهداف المحددة والإشراف عليه، وتجميع وترتيب البيانات عن سير العمل لاستنتاج المعلومات الملائمة بغرض الوقوف على الأداء الفعلي، حتى يمكن الوقوف على النتائج وفحصها عن طريق مقارنتها بالمعايير الموضوعة مقدماً في مرحلة تحديد الأهداف.
أما الاتجاه الثاني:
فيهتم بالأجهزة التي تتولى الإشراف على الأداء وجمع المعلومات وتحليل النتائج.
د. إن الرقابة على عمل معين تتكون من ملاحظة أن كل شيء يتم تنفيذه طبقاً لما خطط له مسبقاً، والأوامر التي أصدرت والأسس التي وضعت نفذت بشكلٍ دقيق، وتهدف العملية الرقابية من وراء ذلك إلى تحديد الأخطاء التي حدثت ومنع تكرار حدوثها مستقبلاً.
ه. الرقابة نشاط تمارسه إدارة المنظمة لمتابعة تنفيذ السياسات الموضوعة وتقييمها، والعمل على إصلاح مواطن الضعف فيها حتى تتحقق الأهداف المنشودة.
من خلال التعريفات السابقة يمكن للباحث أن يخلص إلى الآتي:
أ. إن الرقابة هي أداة لقياس تصرفات الأفراد العاملين بالنشاط في مختلف مجالاته، كما أن رقابة تصرفات الأفراد تمثل في جوهرها رقابة الأعمال في الوحدة الاقتصادية، وذلك باعتبار أن هذه الأعمال تخضع لتصرفات هؤلاء الأفراد.
ب. إن الرقابة هي أداة لتوجيه النشاط الحاضر والمستقبلي بما يحقق تنفيذ الأهداف المرسومة مقدماً للنشاط، أي الرقابة أسلوب عمل أو مرشد للتنفيذ.
ج. تسعى الرقابة إلى إخضاع التصرفات التي تتماشي مع الخطط المرسومة، أي أنها مانعة (ليست بشكل مطلق) لحدوث الانحرافات عن الخطط، وبذلك فإن أي إجراء أو تصرف خارج هذه الحدود يمكن اكتشافه قبل حدوثه وهو ما يعرف في الاصطلاح العلمي لأدبيات الرقابة بالرقابة الوقائية.
د. في حالة وقوع الانحرافات تهتم الرقابة ضمن منهجها العلمي المسمي بالرقابة اللاحقة بتصحيح الانحرافات السالبة، أو تدعيم هذه الانحرافات والمحافظة عليها إن كانت انحرافات موجبة.
من خلال النتائج والتعاريفات السابقة يمكن تحديد العناصر التي يتكون منها التعريف الدقيق للرقابة في الآتي:
- الخطوات أو الإجراءات التي تتكون منها علمية الرقابة.
- المستويات الإدارية التي تمارس عملية الرقابة داخل كيان الوحدة الاقتصادية.
- الأهداف المطلوب تحقيقها في ممارسة عملية الرقابة.
وبترتيب العناصر السابقة يمكن للباحث تحديد مفهوم عام للرقابة وفقاً للتعريف التالي:
إن الرقابة هي مجموعة من الخطوات أو الإجراءات المتمثلة في إطار عمل محدد واجب الإتباع، فهي تتضمن تعليمات واضحة ومتكاملة وإشراف متصل وتوجيه مستمر أثناء تنفيذ خطة النشاط، ثم عملية متابعة مستمرة لما تم إنجازه، وأخيراً تصحيح أية فروقات (انحرافات) تظهرها المتابعة إن كانت سالبة أو تدعيمها والمحافظة عليها إن كانت فروقات موجبة. وتمارس هذه الخطوات في مختلف المستويات المسئولة داخل النشاط، بما يحقق الكفاية القصوى في استخدام الموارد المتاحة وفي ضوء الأهداف المنشودة.
2 – 1 – 2 ماهية الرقابة الحكومية – What is Governmental Control :
يقصد بالرقابة الحكومية في مدلولها العلمي البحت الرقابة المالية التي تمارسها الدولة على وحداتها وأجهزتها الحكومية المختلفة بغرض المحافظة على المال العام.
ولما كان النفط يعتبر أحد المصادر الرئيسية للإيرادات في الموازنة المالية للدولة، فبذلك يدخل ضمن نطاق المال العام الواجب الحفاظ عليه، ولذلك كان لا بد للباحث من صياغة إطار فكري للرقابة المالية الحكومية يتضمن كافة الأطر العلمية المتاحة عن أدبيات هذه المادة، حتى يمكن الاستناد إليه في صياغة الإطار المقترح لرقابة الجانب الحكومي على شركات إنتاج النفط، وذلك على سبيل العامل الثاني المساند إلى جانب العامل الأصيل عقد الامتياز النفطي بالمشاركة في الإنتاج.
* الرقابة المالية الحكومية – Governmental Financial Control :
عرف مكتب المحاسبة العام – General Accounting Office بالولايات المتحدة الأمريكية الرقابة المالية الحكومية بأنها عملية تتمثل في الآتي:
فحص العمليات المالية ومدى الالتزام بالقوانين والتشريعات ومراجعتها لبيان:
- ما إذا كانت القوائم المالية تمثل بعدالة المركز المالي للحكومة وفيما إذا كانت نتائج العمليات قد تمت وفق المبادئ المحاسبية المقبولة والمتعارف عليها.
- مدى التزام الوحدة الحكومية بالقوانين والأنظمة المالية النافذة.
2. فحص كفاءة واقتصادية العمليات ومراجعتها لبيان:
- مدى قيام الوحدة الحكومية باستخدام الموارد وإدارتها بكفاءة وبطريقة اقتصادية.
- أسباب التصرفات غير الاقتصادية أو التي تدل على عدم الكفاءة.
- مدى التزام الوحدة بالتشريعات التي تتعلق بالكفاءة الاقتصادية.
3. فحص ومراجعة نتائج البرامج لبيان:
- مدى تحقيق النتائج أو المنافع التي سبق تحديدها من قبل السلطة التشريعية.
- ما إذا كانت الوحدة الحكومية قد قامت بالأخذ في الحسبان البدائل التي تحقق النتائج المرجوة بأقل تكلفة في ضوء الموازنة بين هذه البدائل لاختيار أفضلها.
وفي مجالات الفكر المالي والمحاسبي العام لآراء الكتاب (أي الصادرة عن غير المنظمات المهنية) تتعدد تعريفات الرقابة المالية الحكومية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
- هي المحافظة على الأموال العامة من سوء التصرفات، وذلك عن طريق التأكد من إتباع الإجراءات وقواعد العمل المحددة مقدماً، وكذلك التأكد من سلامة تحديد نتائج
أعمال الوحدات ومراكزها المالية.- هي منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية والإدارية، وتهدف إلى التأكد من المحافظة على الأموال العامة ورفع كفاءة استخدامها وتحقيق الفعالية في النتائج المحققة.- هي توجيه وتنظيم الأنشطة المختلفة في الوحدة الاقتصادية أو جزء منها بواسطة قرارات أو إجراءات إدارية بغرض الوصول إلى الأهداف التي سبق الاتفاق عليها أو تحديدها.
- كما عرفت الرقابة المالية الحكومية بأنها رقابة إدارية تشمل: مجموعة الطرق والإجراءات التي تساعد الوحدة في عمليات التخطيط والرقابة على الأنشطة أو العمليات مثل: إجراءات الموازنات وتقارير الأداء، وتعتبر الرقابة الإدارية نقطة الانطلاق لوضع نظام محاسبي للرقابة على المعاملات المالية، بالإضافة إلى الرقابة المحاسبية البحتة التي تتكون من مجموعة من الطرق والإجراءات المرتبطة بالدرجة الأولى بالمعاملات ذات الطابع المالي، إضافة إلى حماية الأصول ومدى الدقة في البيانات المالية المقيدة بالدفاتر والسجلات.
مما سبق من تعريفات يستنبط الباحث: أن مفهوم الرقابة المالية الحكومية لا يمثل وظيفة محددة، إنما هي عبارة عن نشاط متشعب ومتكامل تندمج من خلاله وظائف علوم القانون والاقتصاد والإدارة والمحاسبة وكذلك الجوانب الفنية والبيئية والإجتماعية للتأكد من أن الأعمال المنجزة قد طبقت وفقاً للخطط الموضوعة مقدماً، حتى يمكن إيضاح مواطن النجاح أو الضعف واتخاذ القرارات المناسبة، وذلك بغرض التأكد عموماً من حسن استخدام المال العام بما يتفق مع أهداف التنظيم الإداري وبما يخدم المصلحة العامة للدولة.
2 – 1 – 3 أهمية الرقابة الحكومية – The Importance of Governmental Control:
تعد الرقابة من العناصر الأساسية للعملية الإدارية التي تشتمل على:التخطيط والتنظيم والتنسيق إضافة إلى الرقابة. وقد تطورت أهمية الرقابة الحكومية مع تطور دور الدولة من الدولة الحارسة التي تهدف إلى المحافظة على الأمن الداخلي والخارجي والفصل في المنازعات بين الأفراد – إلى ما يسمي بدولة الرفاهية، التي تتدخل في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية في كافة القطاعات والميادين، ذلك أن تدخل الدولة في جميع شئون المواطنين يتطلب توافر أجهزة إدارية كفؤة تنجز الأعمال وتؤدى الخدمات الموكلة بكفاءة وفاعلية مع خضوع هذه الأجهزة للرقابة والمحاسبة للتحقق من قيامها بأعمالها على أكمل وجه.
نظراً لاتساع نطاق الأجهزة الإدارية وتعدد مجالاتها وزيادة عدد العاملين فيها، كل ذلك أدى إلى ضرورة الاهتمام بالرقابة على أداء الأجهزة الإدارية بهدف التحقق من إنجاز الأعمال الإدارية بكفاية وفي أسرع وقت ممكن وبأيسر الطرق.
تبرز أهمية الرقابة الحكومية في هذا المجال في أنها تقدم المساعدة إلى الدولة ممثلة في أجهزتها الحكومية المكلفة بالرقابة في شأن التعرف على كيفية سير الأعمال داخل الوحدات الحكومية، والتأكد من أن الموارد تحصل طبقاً للقوانين واللوائح والتعليمات المخططة، وتبعاً لذلك التأكد من أن الإنفاق يتم بصورة سليمة فيما خصص له مقدماً من أغراض. بالإضافة إلى التأكد من مدى تحقيق الوحدات الحكومية بشكل عام لأهدافها بكفاية وفاعلية بغرض المحافظة على الأموال العامة والتأكد من سلامة تحديد نتائج الأعمال والمراكز المالية وتحسين معدلات الأداء والكشف عن المخالفات والانحرافات وبحث مسبباتها وتدعيم الموجب منها واقتراح الوسائل العلاجية للسالب من هذه الانحرافات لتفادي تكرارها مستقبلاً في تلك الوحدات الخدمية والاقتصادية.
2 – 1 – 4 المدلول القانوني للرقابة الحكومية –
Legal Significance of Governmental Control:
يعنى المدلول القانوني للرقابة المالية الحكومية: الرقابة التي تقوم بها هيئات يتم إنشاؤها بموجب قانون أو نظام أو أي سند قانوني آخر، وتحدد إختصاصاتها بموجب ذلك السند القانوني، وتهدف إلى مطابقة العمل ذي الآثار المالية للقانون أو بمعنى أدق مطابقته لمختلف القواعد القانونية التي تحكمه سواء ما كان منها داخلاً في إطار الشكل القانوني، أي أن يكون العمل المالي مطابقاً للتصرف القانوني، أو ما كان منها داخلاً في إطار الموضوع القانوني، وهي التي تنظر في طبيعة التصرف وفحواه ومكوناته، ويتم بموجب هذا النوع من الرقابة رقابة التصرف المالي من حيث تحصيل الإيرادات العامة أو رقابة الإنفاق المالي.
يرتبط بموضوع المدلول القانوني للرقابة الحكومية بشكل أساسي الحديث عن مبدأ الشرعية، والذي يعد الأساس القانوني للرقابة على أعمال الإدارة – وهذا المبدأ يعني خضوع الإدارة في جميع تصرفاتها وأعمالها لأحكام القانون بمعناه الواسع، فالإدارة لا تستطيع القيام بأي عمل قانوني أو مادي إلا وفقاً للقانون ووفقاً للإجراءات الشكلية المحددة فيه تحقيقاً للأهداف التي يتوخاها. وتبدوا أهمية مبدأ الشرعية في مجال الرقابة الحكومية في كونه يمثل أهم الضمانات الممنوحة للأفراد في مواجهة السلطة العامة، فهذا المبدأ يحمى الأفراد من تجاوزات الإدارة العامة وتعدياتها على حقوقهم على خلاف ما يجيزه القانون، وبمقتضي هذا المبدأ يستطيع الأفراد مراقبة الإدارة في أدائها لوظائفها، بحيث يمكن لهم أن يردوها إلى طريق الصواب إذا ما خرجت عن ذلك سواء عن عمد أو إهمال.
بالإضافة إلى ما سبق فإن أهمية مبدأ الشرعية تبرز أيضاً في سندها القانوني للجهات المكلفة بالعمل الرقابي حيث ينص هذا المبدأ ضمن مضمونه إلى قيام السلطة التشريعية في الدولة بتزويد الوحدات والأجهزة الرقابية بالضمانات اللازمة التي تكفل لها تنفيذ سير أعمالها بطمأنينة وعدم التأثر بالتيارات أو النعرات السياسية وتبعية ذلك من الحصانات القانونية الممنوحة لهذه الأجهزة الرقابية.
من جانبه يرى الباحث: أنه على الرغم من أن مفاهيم مبدأ الشرعية تتوافر بشكل نسبي في الدستور العام لكثير من الدول وبشكل كبير وصريح في نصوص قوانين الرقابة المالية الحكومية للجهات المكلفة بالتنفيذ – إلا أن تفعيل دور الرقابة الحكومية من خلال مبدأ الشرعية يتأثر بشكل أساسي بالمستوى التعليمي للمواطنين ومدى انتشار الوعي بينهم وتنبههم إلى حقوقهم والسعي الدائم إلى اقتضائها، وكذلك استيعاب منسوبي الأجهزة الرقابية لحقوقهم القانونية في أداء مهامهم الموكلة. لذا يجب على كل حكومة رشيدة تنشد الثبات والاستقرار والمحافظة على المال العام أن تمكن الأفراد وبما فيهم منسوبي الأجهزة الرقابية من السعي إلى اقتضاء حقوقهم على الوجه الأكمل وأن تكون سنداً أصيل في تحقيق ذلك.
2 – 1 – 5 أهداف الرقابة الحكومية – Objectives of Governmental Control:
تهدف الرقابة المالية الحكومية بصفة عامة إلى المحافظة على الأموال العامة وحمايتها من العبث وضمان حسن استخدامها بالشكل المطلوب اقتصاداً وقانوناً، وفي سبيل ذلك يتضمن هذا الهدف العام تفاصيل ترمي إلى تحقيق مضمونه الأصيل وهي على النحو التالي:
التحقق من أن الموارد قد تم تحصيلها وفقاً للقوانين واللوائح والقواعد الصادرة والكشف عن أي مخالفات أو تقصير.
التحقق من أن الإنفاق تم وفقاً لما هو مقرر له، والتأكد من حسن استخدام الأموال العامة في الأغراض المخصصة لها دون إسراف أو انحراف، والكشف عن ما يقع في هذا الصدد من مخالفات.
متابعة تنفيذ الخطة الموضوعة وتقييم الأداء في الوحدات للتأكد من أن التنفيذ يسير وفقاً للسياسات الموضوعة ولمعرفة نتائج الأعمال والتعرف على مدى تحقيق الأهداف المرسومة والكشف عن ما يقع من انحرافات وما قد يكون في الأداء من قصور وأسباب ذلك لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة وللتعرف على فرص تحسين معدلات الأداء مستقبلاً.
تحفيز الموظفين على الأداء الجيد والالتزام بالقوانين واللوائح من خلال إبراز الجوانب الإيجابية في أعمالهم وعدم التركيز على الجوانب السلبية فقط.
الوقوف على المشكلات والعقبات التي تعترض الأجهزة الإدارية في عملها والعمل على معالجة هذه المشكلات وإزالة المعوقات.
تزويد السلطة التشريعية في الدولة بالمعلومات والتقارير السليمة، وذلك بغرض تحققها من تطبيق ما وافقت عليه فيما يتعلق بالموازنة العامة، وهو ما يعنى استخدام الاعتمادات في الأوجه التي خصصت لها وجباية الإيرادات حسب اللوائح. إضافة إلى ذلك التأكد من تنفيذ نصوص الأنظمة واللوائح العامة والخاصة، أي التي تصاغ لأغراض خاصة تناسب وحدات إدارية بعينها.
مما سبق من عرض لأهداف الرقابة المالية الحكومية يخلص الباحث إلى أن أهداف الرقابة المالية الحكومية تتلخص في مجملها في ثلاثة محاور أساسية هي:
أ. المحور السياسي: الذي يهدف إلى التحقق من تطبيق ما وافقت عليه السلطة التشريعية فيما يتعلق بالموازنة التخطيطية العامة للدولة وتبعية ذلك من نصوص اللوائح والإجراءات والتشريعات.
ب. المحور المالي: ويتعلق بالنواحي الفنية الهادفة إلى التحقق من صحة الحسابات وسلامة التصرفات والإجراءات المالية، وكشف الانحرافات والأخطاء المالية والاختلاسات.
ت. المحور الإداري: وهو ما يهدف إلى التأكد من أن أنظمة العمل (اللوائح – التشريعات – الإجراءات) تؤدى إلى أكبر نفع ممكن بأقل النفقات الممكنة، وتصحيح القرارات الإدارية، مما يؤدى إلى حسن سير العمل في كافة مراحل التخطيط أو التنفيذ أو المتابعة.
كما يرى الباحث: أن تحقيق الأهداف المنشودة لأي نظام يتطلب توافر سمات جيدة تكفل له عامل النجاح في تحقيق الأهداف، وبناء عليه فإن السمات التي تكفل الجودة وتحقيق الأهداف المنشودة لنظام الرقابة المالية الحكومية تتمثل في الآتي:
- تحديد الأهداف الرقابية بدقة.
- مدى توافق النظام الرقابي مع طبيعة الأنشطة التي تمارسها الوحدة الإدارية.
- وجود هيكل تنظيمي يوضح خطوط السلطة والمسئولية لإمكان تطبيق مبدأ محاسبة المسئولية بدافع إنجاح عملية الرقابة.
- اختيار موظفين يتمتعون بالتأهيل العلمي الجيد إضافة إلى الكفاءة والخبرة.
- إيجابية النظام الرقابي في كونه نظام لا يقصد من وراءه رقابة الأداء وفرض العقوبات فقط.
- قدرة النظام الرقابي على سرعة اكتشاف الأخطاء والانحرافات.
- الوضوح والمرونة في النظام الرقابي، أي أن يكون نظام ميسور الفهم للقائمين على تنفيذه، كما يجب أن يتسم بالمرونة لضمان فاعليته في مجال استخدام الخطط البديلة لمواجهة الظروف غير المتوقعة.
- اقتصادية النظام الرقابي بحيث لا تتفوق تكاليفه على منافعه، بل يجب العكس أو على الأقل التناسب بين التكاليف والمنافع وإلا أصبح نظاماً يمثل عبئاً مالياً على كاهل الوحدة الإدارية دون مرجوات من وراء إنشائه.
- بناء النظام الرقابي على مفاهيم تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية وملحقاتها المختلفة داخل الوحدات الإدارية وبشكل أساسي، لما يحققه ذلك من مزايا متعددة في هذا المجال.
2 – 1 – 6 المبادئ العلمية للرقابة الحكومية –
Scientific Principles of Governmental Control:
تعبر الرقابة المالية الحكومية عن نشاط متشعب تتكامل وتندمج فيه وظائف الإدارة والمحاسبة والاقتصاد والقانون بغرض التأكد من أن ما يجب عمله قد تم بالفعل وتبيان مواطن القصور واتخاذ القرارات التصحيحية تبعاً لذلك. وبناءً عليه لا يمكن النظر إلى الرقابة المالية الحكومية على أنها وظيفة محدودة، ولا شك أن أفضل وسيلة نحو بناء إطار مفاهيمي متكامل للرقابة الحكومية هي وضع وصياغة مجموعة من المبادئ (الأسس) العلمية التي تسهم في توضيح مفهوم الرقابة المالية الحكومية وتبين العناصر الأساسية التي تتكون منها ووظائفها الرئيسية والأساليب العامة التي تستخدم في تحقيق هذا النوع من الرقابة بفاعلية. ويمكن تحديد هذه المجموعة من المبادئ على النحو التالي:
. مبدأ الخطة التنظيمية:
تمثل الخطة التنظيمية مقوم أساسي من مقومات إعداد وتنفيذ أي نظام فعال للرقابة، نظراً لأن الخطة التنظيمية تبين بوضوح خطوط السلطة والمسئولية وقنوات الاتصال ونطاق الإشراف وعدد المستويات الإدارية والإطار العام لتقسيم العمل وفصل الوظائف وأساليب التنسيق. ويجب أن تتضمن الخطة التنظيمية دليل تنظيمي يحتوى على توصيف كامل ودقيق للمسئوليات والسلطات ويبين بوضوح قنوات الاتصال وتسلسل خطوات العمل وتوزيعه بين المستويات الإدارية المختلفة.
كما أنه من المهم في هذا الصدد الإشارة إلى تعريف معهد المحاسبين الأميركي للرقابة الداخلية والذي كانت بدايته تختص بالخطة التنظيمية، حيث عرف المعهد الرقابة الداخلية بأنها: تشمل الخطة التنظيمية وجميع الطرق والمقاييس المنسقة التي تتبناها الوحدة لحماية أصولها ومراجعة بياناتها المالية، ومدى إمكان الاعتماد عليها، والنهوض بالكفاية الإنتاجية، وتشجيع الموظفين على التمسك بسياسة الإدارة العليا.
كما يتم التركيز بشكل أساسي في الخطة التنظيمية على تحديد جميع الواجبات وخطوط السلطة والمسئولية وتوصيف الاختصاصات لكل منصب وتبيان قنوات الاتصال بوضوح وكذلك نطاق الإشراف، بمعنى أن يكون التركيز هنا عام وشامل ولا يقتصر على زاوية تنظيمية محددة، وإنما ينصب على الهيكل التنظيمي بأكمله، حيث أن النظام السليم للرقابة المالية يقوم على أساس محاسبة كل مستوى من مستويات المسئولية داخل الوحدة من الأدنى إلى الأعلى، كما أنه يجب أن يتم تصميم تقارير الرقابة المالية وفقاً لخطوط السلطة والمسئولية بحيث تكون متطابقة تماماً مع الهيكل التنظيمي للوحدة، وتجسد بصورة عملية قنوات الاتصال المحددة، وتترجم نطاق الإشراف والمسئولية في صورة رقمية.
ومما لا شك فيه أن وضع الخطة التنظيمية للوحدة وظيفة إدارية، ولكن لغرض تحقيق رقابة مالية فاعلة يجب أن تندمج مع هذه الوظيفة وظيفة محاسبية هامة هي عملية وضع نظام للمعلومات (وفقاً للأغراض المالية) يكون مطابقاً تماماً للخطة التنظيمية. والجدير بالذكر هنا أنه قد يكون هنالك خطة تنظيمية لقسم داخل وحدة نظراً لخصوصية أغراضه ولكنها يجب أن تكون في المنتهي متمشية مع الخطة التنظيمية العامة للوحدة في سبيل تحقيق الأغراض العامة للوحدة.
2. مبدأ التخطيط الاستراتيجي والتكتيكي:
يعتبر كل من التخطيط الاستراتيجي والتخطيط التكتيكي ضرورة حتمية لتحقيق الرقابة المالية السليمة ذلك أنه يضع مستقبل المنشأة على طريق مرسوم بدلاً من أن تكون التصرفات مجرد رد فعل للأحداث.
إن التخطيط الاستراتيجي بطبيعة الحال هو تخطيط طويل الأجل يمتد لسنوات طويلة قادمة ويختص بالسياسة الإجمالية للوحدة ويتناول العوامل الرئيسية الهامة في نشاطها الأساسي، كما يتطلب تحليلاً متعمقاً للمناخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ونظراً لأن التخطيط الاستراتيجي يكون في صورة خطوط عريضة وأهداف عامة فيكون من الضروري تعضيد الخطة الاستراتيجية بخطة تكتيكية تنبع منها وتتناول التفاصيل الخاصة ببرامج الوحدة في مجال التنظيم العام وتنمية الموارد وتخطيط العمليات وغيرها.
وعلى الرغم من أن التخطيط الاستراتيجي والتخطيط التكتيكي مسئولية الإدارة العليا في المقام الأول إلا أن وضع خطة استراتيجية وخطة تكتيكية يتطلب بالضرورة توفر نظام لتجميع البيانات الهامة وترجمة هذه البيانات في صورة مالية صالحة للاستخدام (معلومات ملائمة للقرارات)، وهنا يظهر مرة أخرى مدى التكامل والاندماج بين وظائف الإدارة ووظائف المحاسبة في مجال الرقابة المالية.
3. مبدأ وجود معايير عادلة ومؤشرات سليمة لقياس وتقييم الأداء:
إن من السمات الرئيسية للحياة المعاصرة ظاهرة النسبية، حيث لا توجد أشياء مطلقة البتة، وبالتالي لا يمكن الحكم على الأداء بأنه ممتاز أو جيد أو متوسط أو حتى ضعيف إلا من خلال مقارنته بمقياس معين سواء إن كان نمط أو معيار أو مؤشر أو أي مقياس آخر مناسب. والمقارنات المتاحة هنا تشمل الآتي:
أ. مقارنة الأداء الحالي بالأداء السابق لنفس الفرد.
ب. مقارنة الأداء الحالي لفرد بأداء فرد آخر يقوم بعمل مماثل وفي ظروف مماثلة.
ج. مقارنة الأداء الفعلي بالأداء المحدد مقدماً.
د. مقارنة الأداء الفعلي بالمعايير.
حيث يفيد النوع الأول من المقارنات في تحديد اتجاهات مستوى الأداء خلال الفترة الزمنية محل المقارنة، ولكن هذا النوع يشوبه اختلاف الظروف في كل فترة.
ويمكن عن طريق النوع الثاني من المقارنات وضع ترتيب تفاضلي لأداء الموظفين بنفس الوحدة بغرض الحكم على أدائهم مقارنة بأداء نظرائهم في وحدات مماثلة. وعادة ما يكون هذا النوع من المقارنات في صورة إجمالية تفيد في إعطاء مؤشر عام عن مستوى الأداء، ولكن يمكن معه القيام بدراسة تحليلية تفصيلية للتعرف على نواحي الضعف والقوة والأسباب التي تؤدى عموماً إلى انخفاض مستوى الأداء.
ويعتبر النوع الثالث من المقارنات وسيلة مرضية للحكم على مستوى الأداء، حيث يتم تحديد الأداء المستهدف في ضوء الظروف المتوقعة وبالتالي فإن الأرقام تكون قابلة للمقارنة، أي أن يترجم التنفيذ الفعلي مقارنة بما حدد مقدماً من أهداف وسياسات إلى لغة الأرقام لقياس الأداء في ضوء تحديد الانحرافات الموجبة والسالبة.
أما النوع الأخير من المقارنات فيعتبر من أفضل الوسائل المتاحة للحكم على كفاءة الأداء، حيث يتم مقارنة الأداء الفعلي بالمعايير التي يتم تحديدها في ضوء الظروف المتوقعة، وبالطبع فإن صفات المعايير التي تتصف بها تجعل هذه المقارنة ذات مغذى ودلالة علمية، نظراً لدقتها، ومن ثم فإنه لا يمكن الاحتجاج بأن مقياس الأداء غير سليم.
4. مبدأ الرقابة المتحكمة (الرقابة بمفهوم السيبرنتكس):
تقوم نظرية الرقابة الحديثة على مفهوم السيبر نتكس – Cybernetics، وترمز هذه الكلمة إلى دراسة التحكم والرقابة بالاتصالات الفعالة وتضع مفهوماً جديداً للعملية الرقابية يبعدها عن المفهوم التقليدي الذي يجعلها تؤدى إلى الخوف من اتخاذ القرارات والمبادرة. يقوم مفهوم السيبرنتكس على أساس تهيئة كافة الإمكانيات أمام المسئولين عن التنفيذ حتى لا يقعوا في الأخطاء، وتحقيق ذلك بالدرجة الأولى عن طريق الاتصالات الفعالة داخل الوحدة، وعدم اقتصار مفهوم الرقابة على تصيد الأخطاء ومعاقبة مرتكبيها أو الانتظار حتى يتم إنجاز الأعمال لوضع التقييم. كما تقوم رقابة السيبرنتكس أيضاً على مفهوم التقارير والمتابعة أو التغذية العكسية، ويشترط لتصميم التقارير أن يتم وفقاً لخطوط السلطة والمسئولية، أي وفقاً للمستويات الإدارية ومسئولياتها وطبقاً لاحتياجات كل مستوى إداري من المعلومات المالية الملائمة له والتي تفي بحوجته في صنع القرارات. ويعتبر مفهوم السيبرنتكس أحد تطبيقات النظرية العامة للنظم، وهو مفهوم يرتبط بكلٍ من عمليتي الاتصالات والرقابة، كما يعبر عن نموذج للتفكير فيما يتعلق بتطبيقات التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج المعلومات في مجال رقابة التنظيمات المركبة، وهو يعتمد بصفة أساسية على عملية الضبط أو الانتظام الذاتي للنظام.
5. مبدأ الإدارة بالاستثناء:
الإدارة بالاستثناء في أبسط صورها هي نظام للتنبيه والاتصال يرسل إشارات إلى المدير عندما تكون هناك حاجة لتنبيهه، وبالعكس يبقي ساكناً عندما لا تكون هنالك حاجة لجذب انتباهه.
وقد حدد لنظام الإدارة بالاستثناء ستة جوانب على النحو التالي:
أ. جانب القياس – The Measurement Phase:
حيث يتم إعطاء قيم رقمية إلى الأداء في الماضي والحاضر وحصر الموارد والطاقات والإمكانيات وتجميع وتقييم الحقائق بالنسبة لموقف العمليات ككل.
ب. جانب التنبؤ – The Projection Phase:
حيث يتم استخدام بيانات الحاضر والماضي للتنبؤ بالأحوال في المستقبل وتحديد الأهداف وإعداد الخطط ومراجعة الهياكل التنظيمية.
ج. جانب الاختيار – The Selection Phase:
حيث يتم اختيار المقاييس الحيوية التي تبني على أسس اقتصادية والتي تعكس بأفضل صورة ممكنة مدى تقدم التنظيم في تحقيق أهدافه.
د. جانب الملاحظة – The Observation Phase :
حيث يتم ملاحظة وقياس نتائج الأداء الفعلي واستخراج المؤشرات الهامة بصفة دورية.
ه. جانب المقارنة – The Comparison Phase:
حيث يتم مقارنة الأداء الفعلي مع الأداء المتوقع حتى يمكن تحديد الاستثناءات وتحليل الأسباب التي أدت إليها وإعداد التقارير ورفعها إلى السلطة المختصة في الحالات التي تتطلب اتخاذ خطوات معينة.
و. جانب التحرك – The Action Phase:
حيث يتم اتخاذ القرارات واتخاذ الخطوات اللازمة لمراقبة الحالات الاستثنائية ومعالجتها.
6. مبدأ استخدام النظم والأساليب المحاسبية والإدارية:
حتى تكتمل عملية الرقابة المالية الحكومية في جوهرها لا بد لها من وسائل وأدوات لتحقيق أهدافها وتدعوا وجهة هذا المبدأ إلى استخدام أساليب المحاسبة والإدارة في مجال الرقابة المالية وهي متعددة ومختلفة من وحدة إلى أخرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر ووفقاً لركائز التطبيقات العملية بالكثير من الوحدات ما يلي:
- أسلوب الملاحظة والمشاهدة عن طريق مراقبة الوحدات وملاحظة سير أعمالها أثناء التنفيذ من خلال الرؤساء والمشرفين في مستويات الإدارة المختلفة بهدف تصحيح الأخطاء.
- أسلوب المراجعة والفحص والتفتيش بشكلٍ عام.
- أسلوب الحوافز والجزاءات، حيث يختص بتقرير الحوافز للجهود الممتازة للعامل الكفء وتوقيع الجزاءات على العامل المخالف والمهمل.
- أسلوب الارتكاز على النظم والتعليمات واللوائح المصدرة من خلال متابعة الالتزام بها وعدم مخالفتها وتوقيع الجزاءات تبعاً لذلك ومنها: قانون الموازنة العامة، قانون المحاسبة الحكومية واللائحة التنفيذية.
- أسلوب التحليل الإحصائي والعينات.
- أساليب تحليل الفروقات بين النتائج الفعلية والمحددة مقدماً.
- التقارير والتحليلات للأغراض الخاصة.
- مؤشرات تقييم الأداء الداخلي.
- نسب التحليل المالي والمحاسبي.
وغيرها من الأساليب الأخرى في مجال المحاسبة والإدارة التي تستخدم في تطبيقات تحقيق الرقابة المالية الحكومية الفاعلة.
7. مبدأ التصحيح:
لا تكتمل الرقابة المالية الحكومية إلا بالاتخاذ الخطوات المصححة، فالأساس في الرقابة المالية هو تنظيم وعرض المعلومات حتى يمكن للمديرين أن يقرروا مجال التحرك أو اتخاذ قرار بسرعة.
وفي مجال اتخاذ الخطوات المصححة لمعالجة الانحرافات يقوم القرار النهائي على أساس المفاضلة بين البدائل التالية:
- عدم التحرك حتى يتم مراجعة نظام القياس – الملاحظة والتقرير.
- الانتظار لفترة محدودة فقد يصحح الوضع نفسه بصورة تلقائية أو ذاتية.
- وضع معايير أداء جديدة.
- إتباع سلسلة من الخطوات المصححة المخططة مسبقاً والتي يتم ترتيبها بحسب درجة الانحراف واستمراره.
- الحصول على استشارة خارجية موضوعية ذات كفاءة عالية.
- التحرك في اتجاه جديد تماماً غير مخطط على أساس إعادة تقييم الموقف برمته يتبعه تفكير خلاق ومنطقي.
8. مبدأ المتابعة وإعادة التغذية:
تبدو الحاجة واضحة للمتابعة والتغذية المرتدة بالمعلومات حينما يؤدى الموقف إلى اتخاذ قرار يؤثر بدوره على المجال الأصلي، وفي مجال الرقابة المالية تحديداً يؤثر مبدأ التغذية المرتدة بالمعلومات بشكل أساسي على عملية صنع القرارات الرقابية، والواقع أن التصرف اليومي للإدارة في معظم الأحوال هو عبارة عن ردود أفعال والاستجابة لمعلومات يعاد تغذية مستويات الإدارة بها عن نتائج قراراتها السابقة. ومن الأمثلة الواضحة على مبدأ المتابعة والتغذية المرتدة بالمعلومات أسلوب الرقابة باستخدام الموازنة، حيث توضع خطة ويتم تنفيذها ويستفاد من نتائج التنفيذ والمتابعة في وضع الخطة الجديدة وهكذا. وتبدو الأهمية الأساسية لعمليات المتابعة المستمرة والمراجعة عقب التنفيذ في التبصير بنواحي القوى والضعف في تحديد الأهداف والتنبؤ ووضع الخطة الاستراتيجية وقياس عبء العمل ووضع المعايير، بما يضمن أن تؤدى عملية إعادة التغذية المستمرة بالمعلومات في المحصلة النهائية إلى تحسين وترشيد هذه الخطوات.
9. مبدأ توازن الرقابة:
المغالاة في الرقابة تلقى أعباء غير ضرورية على النظام المالي وتحد من المرونة والابتكار، كما أن ضعف الرقابة يؤدى إلى الإخفاق في تحقيق أهداف الوحدة، ولذلك فإن المشكلة الأساسية هنا هي تحقيق قدر معتدل من الرقابة. ومن الكلمات المأثورة الشائعة في هذا المجال: "أن الوحدة التي تحاول مراقبة كل شيء تنتهي بتحقيق الرقابة على لا شيء". والواقع أن الرقابة يمكن أن تنهار لأن الإدارة تحاول أن تحقق رقابة أكثر من اللازم، فتختلط الأمور الهامة مع مجموعة ضخمة من الأشياء الصغيرة غير الهامة. ولذلك فإن تمييز العناصر الهامة للأداء التي يكون لها أضخم الآثار على تحقيق أهداف الوحدة يعتبر مهمة أساسية لتحقيق الرقابة المالية الفاعلة.
الواقع أنه في الحياة العملية تكون هنالك عوامل كثيرة تتبع في سلوكها ونتائجها عوامل أخرى أكثر أهمية، ويجب أن يحدد نظام المعلومات في كل وحدة إقتصادية العوامل الهامة التي تتحكم في نجاح الوحدة.
10. المبدأ السلوكي للرقابة:
الرقابة المالية في حد ذاتها مفهوم سلوكي تمتد جذوره إلى علم النفس الإجتماعي، ولذلك فإن تحديد الرقابة المالية الفاعلة يستلزم الإعتماد على سلوك الأفراد داخل الكيان التنظيمي أكثر من الإعتماد على الخطوات أو الإجراءات الآلية لتنفيذ نظام الرقابة المالية.
الواقع أن هذا المبدأ يمثل خلفية ضرورية لكثير من مبادئ الرقابة المالية سابقة الذكر له، فإذا رجعنا إلى المبدأ الأول (الخطة التنظيمية)، نجد أن هنالك نظريتان أساسيتان في التنظيم هما: النظرية الكلاسيكية والنظرية السلوكية ومحور النظرية السلوكية في التنظيم "أن الفرد هو الذي يصنع الوظيفة – وعلى ذلك فإن نوع التنظيم لا يمكن تحديده إلا بعد شغل المناصب وارتباط الأفراد ببعضهم"، وإذا رجعنا إلى مبدأ وجود معايير ومؤشرات سليمة لتقييم الأداء، نجد أن عملية وضع واختيار المعايير والمؤشرات تؤثر وتتأثر بسلوك الأفراد داخل التنظيم، ومن المسلم به أن الأهداف والمعايير المتشددة مثبطة للهمم وعلى العكس نجد المتراخية تدعو للتكاسل، كما أن مبدأ شبكة الاتصالات والمعلومات يتوقف على نوعية المديرين واستعدادهم للاستفادة من المعلومات وعادة ما تهدف المعلومات إلى ترشيد سلوك المديرين ولكنها لا تحل محل التفكير السليم والقدرة على وزن الأمور والحكم عليها، كما أن مبدأ الاستثناء يقوم على إغفال التغيرات الطفيفة لأنه لا يمكن توقع أن يكون السلوك البشري مطابقاً للمعايير، وفي مجال اتخاذ الخطوات المصححة يجب مراعاة النواحي السلوكية للعاملين بالتنظيم خاصة عند وضع نظم الحوافز والجزاءات، كما أن وراء مبدأ توازن الرقابة ناحية سلوكية هامة هي أن المغالاة في الرقابة تؤدى إلى انعدام المرونة وقتل روح الابتكار لدى العاملين بالتنظيم. وخلاصة القول أنه لا يمكن إغفال النواحي السلوكية في أي نظام فعال للرقابة المالية.
2 – 1 – 7 أنواع الرقابة الحكومية – Kinds of Governmental Control :
تختلف أنواع الرقابة المالية الحكومية بحسب موقع الجهة التي تقوم بهذه الرقابة، ويمكن إجمالها في نوعين هما: الرقابة المالية الخارجية – والرقابة المالية الداخلية.
أ. الرقابة المالية الخارجية – External Financial Control:
تعتبر الرقابة المالية الخارجية أداة يمكن عن طريقها التأكد من تنفيذ الدوائر والمؤسسات الحكومية للمهام المنوطة بها وفقاً للخطط والبرامج الموضوعة مسبقاً وفي ظل الإمكانات المادية المتاحة. ويمكن تعريف الرقابة المالية الخارجية بأنها: نشاط تقييمي مستقل عن السلطة التنفيذية يهدف إلى التأكد من صحة العمليات المالية والبيانات المحاسبية ومشروعيتها والتحقق من كفاءة وفعالية أداء الأجهزة الحكومية من إنجاز أهدافها ومشاريعها في نهاية الفترة المالية (أي أنها رقابة لاحقة). وفي كثير من دول العالم تعتبر أجهزة المراجعة الخارجية هي الجهات المكلفة بعملية الرقابة المالية الخارجية.
ب. الرقابة المالية الداخلية – Internal Financial Control:
تسعى الأجهزة الحكومية جاهدة إلى تأدية مهامها بصورة كفؤة وفاعلة تسمح لها بالاستعمال الاقتصادي الأمثل للموارد المتاحة، وتسعي السلطة التنفيذية بكل الوسائل المتاحة لديها لمنع موظفيها من ارتكاب الأخطاء أو إساءة استعمال الموارد وحمايتها من الضياع أو الاختلاس، وذلك عن طريق إصدار تعليمات تحدد الإجراءات اللازمة للحفاظ على موجوداتها من ناحية ودقة بياناتها المالية والمحاسبية من ناحية أخرى – ويرتكز مفهوم الرقابة المالية الداخلية بشكلٍ عام على الفكرة التي تقول: أن إدارة كل وحدة اقتصادية يترتب عليها مسؤولية أساسية تكمن في تأدية مهامها الخاصة بطريقة معينة وبدرجة من الكفاءة والفطنة بحيث تسمح لها بتخفيض حاجتها إلى الرقابة الخارجية المستقلة إلى الحد الأدنى – وهو الأمر الذي يعنى صراحة أن أداء أجهزة الرقابة المالية الخارجية لمهامها يعتمد بشكلٍ كبير على أداء أجهزة الرقابة المالية الداخلية بالكيانات الحكومية لأنها تمثل رقابة سابقة أي وقائية ورقابة متابعة ورقابة لاحقة أيضاً.
يمكن تلخيص مفهوم علمي للرقابة المالية الداخلية بأنها: نشاط تقييمي مستقل داخل الوحدة الاقتصادية من أجل فحص النواحي المحاسبية والعمليات الأخرى بغرض حماية الموجودات وضبط دقة البيانات المالية ومدى إمكان الاعتماد عليها الوثوق بها في شأن اتخاذ القرارات، وزيادة الكفاءة في الأداء وتشجيع العاملين على الالتزام بالسياسات الإدارية مقدماً، وعادة ما يمثل مهام الرقابة المالية الداخلية في كثير من الدول جهاز المراجعة الداخلية لأجهزة الدولة. كما قد تقوم بعض الوحدات الحكومية في حالات نادرة وخاصة بإنشاء جهاز داخلي للرقابة المالية لأغراض خاصة إلى جانب جهاز الرقابة المالية الداخلية المكلف من السلطة التنفيذية، ومثال ذلك: إدارة الرقابة المالية الحكومية بوزارة الطاقة بالدول المختلفة التي تتولى مزاولة مهامها في الرقابة على أعمال شركات إنتاج النفط في ضوء ما أبرم من عقود قانونية بين الدولة مالكة أرض النفط وتلك الشركات. والجدير بالذكر هنا: أن الأهداف بالقطاع الحكومي في ظل الرقابة المالية الداخلية والخارجية تلتقي عموماً في سبيل المحافظة على المال العام للدولة حتى وإن اختلفت وسائلها الإجرائية.
2 – 1 – 8 الرقابة الحكومية في بيئة الحاسب الالكتروني –
Governmental Control In The Environment of Electronic Computer:
يتجه العالم اليوم بقوة نحو استخدام الحاسب الإلكتروني وملحقاته المختلفة في كافة شئون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، نظراً لأهميته البالغة في المعالجة الدقيقة والسريعة والحفظ الكبير للمعلومات وإعداد التقارير ذات الموثوقية والملائمة. ويعرف نظام الحاسب الالكتروني على أنه: "مجموعة من الأجزاء المتكاملة والمترابطة التي صممت ونظمت لمعالجة البيانات إلكترونياً من خلال قبول وتخزين المدخلات منها ثم تشغيلها وإنتاج المعلومات (المخرجات)، وفقاً لتوجيهات برنامج يشتمل على تعليمات تفصيلية خطوة بخطوة لما يجب عمله لتحقيق الهدف من التشغيل".
إن النظم الرقابية كواحدة ضمن النظم الهامة في الأعمال الإدارية قد شهدت ما شهدته النظم الإدارية الأخرى من تطور في وسائلها الإجرائية باستخدام الحاسوب، حيث أثرت ثورة تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية على العملية الرقابية فأدت إلى تطورها وازدياد أهميتها مما دفع بكثير من المعاهد المحاسبية المهنية المتخصصة إلى وضع إطارات منظمة لمراجعة نظم المعلومات المحاسبية الإلكترونية التي يفوق التطور المتلاحق فيها التطور في أساليب وقواعد الرقابة، هذا بالرغم من جهود المنظمات المهنية الساعية لتطوير أساليب الرقابة لمواجهة التطور في تكنولوجيا المعلومات المالية والإدارية.
ولما كانت التجارة الإلكترونية – Electronic Commerce والتي تعتبر منهجاً حديثاً لأداء الأعمال التجارية باستخدام شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تتميز بعدم وجود وثائق ورقية متبادلة في إجراء وتنفيذ المعاملات المالية، حيث تتم هذه المعاملات من خلال إرسال كافة الوثائق إلكترونياً ودون استخدام للأوراق، إضافةً إلى أنها فتحت الباب لظهور مفهوم جديد يسمي الحكومة الإلكترونية Electronic Government، وهو نظام يتم بمقتضاه تحويل المعاملات الحكومية مع المؤسسات والمواطنين إلى صورة إلكترونية، وهو ما يتزايد الاتجاه للأخذ به مستقبلاً.
في ظل هذا التسارع في التطور كان لا بد من المسارعة إلى التفكير في أسلوب الرقابة على معاملات الأنشطة الحكومية في بيئة إلكترونية بدون مستندات ورقية، وقد دعت المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (أنتوساى – Intosai) في مؤتمرها الرابع عشر بواشنطن خلال العام 1992م في ندوتها التقنية إلى إقامتها إلى ضرورة إستخدام الأساليب الحديثة في إجراءات التدقيق بواسطة الحاسب الإلكتروني، وإلى معرفة وسائل تدقيق نظم الحاسب الإلكتروني. كما اهتمت الهيئات والمجامع المهنية بإصدار معايير الرقابة المالية ذات الصلة بتقنية المعلومات، حيث أصدر الاتحاد الدولي للمحاسبين عدد من المعايير وبيانات التدقيق الدولية وهي:
- المعيار الدولي للتدقيق رقم (401) وموضوعه عن المراجعة في بيئة أنظمة المعلومات المحاسبية المحوسبة.
- المعيار الدولي للتدقيق رقم (402) وموضوعه اعتبارات المراجعة المتعلقة بالمؤسسات المستخدمة للتقنيات الحديثة.
- بيانات التدقيق الدولية بالأرقام (1001 – 1002 – 1003) وموضوعاتها عن بيئة أنظمة المعلومات المحاسبية المحوسبة.
- بيان التدقيق الدولي رقم (1008) وموضوعه تقدير المخاطر الناتجة عن استعمال الحاسوب والرقابة الداخلية.
- بيان التدقيق الدولي رقم (1009) وموضوعه طرق المراجعة بالحاسوب.
يتضح من سابقه مدى الحاجة لدراسة الرقابة المالية في ظل التقنية الحديثة التي يعتبر الحاسوب مرتكزها الأساسي، وسيسعى الباحث لتناول هذه الوجهة من خلال محورين على النحو التالي:
- طبيعة استخدام الحاسوب في العمل الرقابي.
- إجراءات الرقابة المالية الحكومية في ظل الأنظمة الإلكترونية.
أولاً: طبيعة استخدام الحاسوب في العمل الرقابي:
إذداد الاهتمام بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة بقضية إستخدام الحاسوب في مجالات أعمال الرقابة المالية، وأضحى المراقبين الماليين سواء الداخليين أو الخارجيين يستخدمون الحاسوب في كافة المجالات من تخطيط وعمل إداري بحت ومتابعة الفروقات في الموازنات وكتابة التقارير والعديد من المجالات المتصلة بشكل مباشر بطبيعة عملهم. ومفهوم الرقابة بالحاسوب عموماً يعنى: إستناد النظام الرقابي على استخدام الحاسوب في ممارسة العملية الرقابية وفق برامج محوسبة معدة خصيصاً لهذا الغرض بما يحقق الاقتصاد في الجهد والوقت والتكلفة للوصول إلى النتائج المطلوبة بأقل ما يمكن من المخاطر. وفي سبيل استخدام الحاسوب في العمل الرقابي يرى أحد الكتاب. أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار المعايير التالية للاسترشاد بها:
أ. درجة المخاطر المتوقعة من اختيار الرقابة بالحاسوب:
بمعنى إدراك المراقب المالي الحكومي لدرجة احتمال عدم تحقيق الرقابة المحوسبة للأهداف المخططة، مما يتطلب منه الموازنة بين المخاطر التي ستنجم عن استخدام الحاسوب في العملية الرقابية وبين المنافع التي يمكن تحقيقها من استعماله، وبناء على ذلك اختيار البديل الذي يحقق أقل قدر من المخاطر مع أكبر منفعة ممكنة.
ب. الاقتصاد في الجهد والنفقات:
يقصد به اختيار أسلوب الرقابة الذي يحقق أفضل النتائج بأقل كلفة وجهد ممكن، وهذا يعنى المفاضلة بين الرقابة المحوسبة والرقابة اليدوية من ناحية الكلفة والجهد والنتائج مع مراعاة حجم العمليات المالية الخاضعة للرقابة في جميع الأحوال.
ج. الإمكانيات والموارد المتاحة:
ويقصد بذلك مراعاة الأخذ بالإمكانيات والموارد المالية والمادية الأخرى اللازمة عند اختيار الرقابة بالحاسوب لتنفيذ الأعمال الرقابية، ويدخل ضمن هذا المفهوم ضرورة وجود الكوادر المؤهلة التي تحسن استغلال الموارد المتاحة بتحقيق أفضل درجات من التشغيل وتبعاً لذلك الخروج بأفضل النتائج.
د. آثار استخدام الحاسوب وما يترتب عليه من مشكلات:
إن استخدام الحاسوب في الأعمال الرقابية يتطلب وجود نظام محاسبي أو مالي محوسب، وأيضاً وجود نظام رقابة داخلية محوسب، ونظم شبكية للربط وكذلك نظم إدارية أخرى محوسبة، إذ أن إدخال نظام رقابي حيز التطبيق في ظل اعتماد المؤسسة على أنظمة يدوية إدارية مختلفة الأغراض؛ لن يحقق النجاح لتطبيق العملية الرقابية لتعذر التنسيق بين التطبيق الإلكتروني على أنظمة يدوية، ومن المعروف أن أهم مبادئ فلسفة أنظمة المعلومات الإلكترونية تدعو إلى تكامل الأنظمة مع بعضها البعض وعليه لا بد من تطبيق مفاهيم الحوسبة الشاملة لأعمال الإدارات داخل الكيان الاقتصادي إذا ما أريد تطبيق نظام رقابي محوسب. وفي مجال آخر نجد أنه عند إستخدام الحاسوب في العملية الرقابية لا بد من تهيئة أجواء كافية من الحماية تجابه بها المشكلات التي تنتج عن إستخدام الحاسوب وهي متعددة منها على سبيل المثال: اختراق أمن المعلومات، وسوء إستخدام الكوادر العاملة وأثر التردد الكهربائي على الحاسوب والفيروسات التي تصيب الحاسوب والتقادم التقني وغيرها كما تتعدد تبعاً لكل نوع وسائل الحماية المناظرة مثل: تأهيل وتدريب الكوادر، وإستخدام منظمات التردد الكهربائي وبرامج حماية الفيروسات وتحديث الأجهزة خلال فترات مناسبة وغيرها.
يسهم الحاسوب عموماً في مجال العمل الرقابي في تحقيق مزايا متعددة أهمها ما يلي:
- خفض مدة العمل الميداني عن طريق سرعة ودقة اختيار العينات واختبارها.
- تسهيل عمليات التحليل المالي.
- التركيز في الرقابة على أهم العمليات المالية وفقاً للبرمجة النوعية المسبقة، مما يساعد على تحقيق أهداف الرقابة وزيادة الكفاءة في العمل الرقابي.
- تعدد التقارير الرقابية التي يمكن إصدارها وتنوعها حسب نوع مهمة الرقابة وإبداعات (مهارات) المراقب المالي، وذلك بالاستعانة بالإمكانات العالية لقاعدة البيانات الرقابية.
- تقليل فرص ارتكاب الأخطاء والغش في البيانات المالية.
- إحداث تغيرات إيجابية في شكل وطبيعة المجموعة المستندية نتيجة لإستخدام الحاسوب.
- الدقة في الأداء والسرعة في معالجة البيانات وإعداد المعلومات وعرضها.
- إحكام الرقابة الداخلية والذاتية على التنفيذ بحيث يمكن تلافي الأخطاء في مراحل التشغيل المخت