ذكر قصة ابني آدم : قابيل وهابيل
قال الله تعالى : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين "
وقد تكلمنا على هذه القصة في سورة المائدة في التفسير بما فيه كفاية . . ولله الحمد .
ولنذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك :
فذكر السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ، أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأثنى الآخر ، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل ، وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن ، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه ، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى ، فأمرهما أن يقربا قرباناً ، وذهب آدم ليحج إلى مكة ، واستحفظ السموات على بنيه فأبين ، والأرضين والجبال فأبين ، فتقبل قابيل بحفظ ذلك .
فلما ذهب قرباً قربانهما ، فقرب هابيل جذعة سمينة ، وكان صاحب غنم ، وقرب قابيل حزمة من زرع من ردىء زرعه ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين .
وروى عن ابن عباس من وجوه آخر ، وعن عبد الله بن عمرو ، وقال عبد الله بن عمرو ، وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده !
وذكر أبو جعفر الباقر أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل ، فقال قابيل لآدم ، إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي ، وتوعد أخاه فيما بينه وبينه .
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي ، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما بطأ به ، فلما ذهب إذا هو به ، فقال له : تقبل منك ولم يتقبل مني ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين ، فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله . وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته . وقيل : بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع ، فمات . . والله أعلم .
وقوله لما توعده بالقتل : " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " دل على خلق حسن ، وخوف من الله تعالى وخشية منه ، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله .
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار : قالوا : يا رسول الله . . هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " .
وقوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى ، إذ قد عزمت علي ما عزمت عليه ، أن تبوء بإثمي وإثمك ، أي تتحمل إثم قتلي مع مالك من الآثام المتقدمة قبل ذلك ، قاله مجاهد والسدي وابن جرير وغير واحد .
وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض الناس ، فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك .
وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ترك القاتل على المقتول من ذنب " فلا أصل له ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضاً .
ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة ، أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل ، كما ثبت بن الحديث الصحيح في سائر المظالم ، والقتل من أعظمها . . والله أعلم ، وقد حررنا هذا كله في التفسير ولله الحمد .
وقد روي الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " .
قال : أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إلي ليقتلني .
قال : " كن كابن آدم " .
ورواه ابن مردويه ، عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً ، وقال : " كن كخير ابني آدم " . وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا .
وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : قال : حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل " .
ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به . وهكذا روى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء .
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم ، مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها . وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب ، فالله أعلم بصحة ذلك .
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير - وقال : إنه كان من الصالحين - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهابيل ، وأنه استخلف هابيل أن هذا دمه فحلف له ، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء ، فأجابه إلى ذلك ، وصدقه في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس .
وهذا منام لوصح عن أحمد بن كثير هذا ، لم يترتب عليه حكم شرعي . . والله أعلم .
وقوله تعالى : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين " ذكر بعضهم أنه لما قتله حلمه على ظهره سنة ، وقال آخرون حمله مائة سنة ! ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين . قال السدي بإسناده عن الصحابة : أخوين ، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر ، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه ، وواراه ، فلما رآه يصنع ذلك " قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه .
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً ، وأنه قال في ذلك شعراً ، وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد :
تغيرت البــلاد من عليهــــا فوجه الأرض مغبر قبيــح
تغــير كل ذي لــون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح
فأجبيب آدم :
أبا قابيل قد قتلا جميـــعاً وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرة قد كان منهــا على خوف فجاء بها يصيح
وهذا الشعر فيه نظر . وقد يكون آدم عليه السلام قال كلاماً يتحزن به بلغته ، فألفه بعضهم إلى هذا ، وفيه أقوال . . والله أعلم .
وقد ذكر مجاهد أن هابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه ، فتعلقت ساقه إلى فخذه وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت ، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه .
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ذنب أجدر أن يجعل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عز وجل أجله وأنظره ، وأنه سكن في أرض نود في شرقي عدن وهم يسمونه قنين وأنه ولد له خنوخ ، ولخنوخ عندر ، ولعندر محاويل ، ولمحاويل متوشيل ، ولمتوشيل لامك ، وتزوج هذا امرأتين : عدا وصلا . فولدت عدا ولداً اسمه أبل ، وهو أول من سكن القباب واقتني المال ، وولد أيضاً نوبل وهو أول من أخذ في ضرب الونج والصنج .
وولدت صلا ولداً اسمه توبلقين وهو أول من صنع النحاس والحديد ، وبنتاً اسمها نعمى .
وفيها أيضاً أن آدم طاف على امرأته فولدت غلاماً ودعت اسمه شيث وقالت : من أجل أنه قد وهب لي خلفاً من هابيل الذي قتله قابيل ، وولد لشيث أنوش .
قالوا : وكان عمر آدم يولد ولد شيث مائة وثلاثون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة وخمساً وستين ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين . وولد له بنون وبنات غير أنوش .
فولد لأنوش قينان وله من العمر تسعون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة ، وولد له بنون وبنات .
فلما كان عمر قينان سبعين سنة ولد له مهلاييل ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة ، وولد له بنون وبنات . فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له يرد وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات .
فما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له خنوخ وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنوت وبنات .
فمال كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وولد له بنون وبنات ، فلما كان لمتوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ولد له لامك وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنين وثمانين سنة وولد له بنون وبنات .
فلما كان للامك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له نوح وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمساً وتسعين سنة ، وولد له بنون وبنات ، فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون : سام وحام ويافث .
· وهذا مضمون ما في كتابهم صريحاً .
وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر ، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك . والظاهر أنها مقحمة فيها ، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير ، وفيها غلط كثير كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى .
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير في تاريخه عن بعضهم : أن حواء ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً . قال ابن إسحاق وسماهم . . والله أعلم ، وقيل مائة وعشرين بطناً في كل واحد ذكر وأنثى ، أولهم قابيل وأخته قليما ، وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث .
ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا ، وامتدوا في الأرض ونموا ، كما قال تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " الآية .
وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلام لم يمت حتى رأى من ذريته من أولاده وأولاد أولاده أربعمائة ألف نسمة . . والله أعلم .
وقال تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون " الآيات . . فهذا تنبيه أولاً بذكر آدم ، ثم استطرد إلى الجنس وليس المراد بهذا ذكر آدم وحوله بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " قال تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء ، وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمر بن إبراهيم ، حدثنا قتادة عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد ، فقال : سميه عبد الحارث فإنه يعيش . فسمته عبد الحارث فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " .
وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم و ابن مرودويه في تفاسيرهم عند هذه الآية ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كلهم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث به ، فقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر ابن إبراهيم ، وراه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه .
فهذه علة قادحة في الحديث أنه روى موقوفاً على الصحابي وهذا أشبه والظافر أنه تلقاه من الإسرائيليات ، وهكذا روى موقوفاً عن ابن عباس . والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار وذويه . . والله أعلم .
وقد فسر الحسن البصري هذه الآيات بخلاف هذا ، فلو كان عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل منه إلى غيره . . والله أعلم .
وأيضاً فالله تعالى إنما خلق آدم وحواء فيكونا أصل البشر ، وليبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ، فكيف كان حواء لا يعيش لها ولد ذكر في هذا الحديث إن كان محفوظاً ؟
والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ ، والصواب وقفه . . والله أعلم ، وقد حررنا هذا في كتابنا التفسير ولله الحمد .
ثم قد كان آدم وحواء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا ، فإن آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته
وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يارسول الله . . كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً " . قلت : يا رسول الله . . كم الرسل منهم ؟ قال : " ثلاثمائة وثلاثة عشر : جم غفير " قلت : يا رسول الله من كان أولهم ؟ قال : آدم قلت : يا رسول الله . . نبي مرسل ؟ قال : " نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلاً " .
وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع ابن هرمز ، عن عطاء بن رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل الملائكة : جبريل ، وأفضل النبيين آدم ، وأفضل الأيام يوم الجمعة ، وأفضل الشهور شهر رمضان ، وأفضل الليالي ليلة القدر ، وأفضل النساء مريم بنت عمران " .
وهذا إسناد ضعيف ، فإن نافعاً أبا هرمز كذبه ابن معين ، وضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم و ابن حبان وغيرهم . . والله أعلم .
وقال كعب الأحبار : ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم ، لحيته سوداء إلى سرته ، وليس أحد يكنى في الجنة إلا آدم ، كنيته في الدنيا أبو البشر وفي الجنة أبو محمد .
وقد روى ابن عدي من طريق شيخ ابن أبي خالد ، عم حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله مرفوعاً : أهل الجنة يدعون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد .
ورواه ابن عدي أيضاً من حديث علي بن أبي طالب ، وهو ضعيف من كل وجه والله أعلم .
وفي حديث الإسراء الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بآدم وهو في السماء الدنيا ، قال له : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وقال : وإذا كان يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى فقلت : يا جبريل . . ما هذا ؟ قال : هذا آدم وهؤلاء نسم بينه ، فإذا نظر قبل أهل اليمين - وهم أهل الجنة - ضحك ، وإذا نظر قبل أهل الشمال - وهم أهل النار - بكى .
وهذا معنى الحديث .
وقال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده .
وقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : " فمررت بيوسف وغذا هو قد أعطى شطر الحسن " ، قالوا : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام وهذا مناسب ، فإن الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة ، ونفخ فيه من روحه ، فما كان ليخلق إلا أحسن الأشياء .
وقد روينا عن عبد الله ، عن عمر وابن عمر أيضاً موقوفاً ومرفوعاً : أن الله تعالى لما خلق الجنة ، قالت الملائكة : يا ربنا . . اجعل لنا هذه ، فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ، فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان .
وقد ورد الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما من طرق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم على صورته " وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك كثيرة ليست هذا موضع بسطها . . والله أعلم .
ذكر وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث عليه السلام
ومعنى شيث هبة الله ، وسماه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل .
قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف ، على شيث خمسين صحيفة " .
قال محمد بن إسحاق : ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار ، وعلمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك
قال : ويقال : إن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا . . والله أعلم .
ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط وكفن - من عند الله عز وجل - من الجنة ، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام . قال ابن إسحاق : وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن .
وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن يحيى - هو ابن ضمرة السعدي - قال : رأيت شيخاً بالمدينة يتكلم فسألته عنه فقالوا : هذا أبي بن كعب ، فقال : إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه : أي بني . . إني أشتهي من ثمار الجنة .
قال : فذهبوا يطلبون له ، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل ، فقالوا لهم : يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون ؟ - أو ما تريدون ؟ وأين تطلبون ؟ - قالوا : أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة ، فقالوا لهم : ارجعوا فقد قضي أبوكم فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم . فقال : إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك ، فخلى بيني وبين ملائكة ربي عز وجل ، فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ، وحفروا له ولحدوه ، وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضوه في قبره ، ثم حثوا عليه ، ثم قالوا : يا بني آدم . . هذه سنتكم ( إسناد صحيح إليه ) .
وروى ابن عساكر من طريق شيبان بن فروخ ، عن محمد بن زياد ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كبرت الملائكة على آدم أربعاً ، وكبر أبو بكر على فاطمة أربعاً ، وكبر عمر على أبي بكر أربعاً ، وكبر صهيب على عمراً أربعاً " .
قال ابن عساكر : ورواه غيره عن ميمون فقال : عن ابن عمر .
واختلفوا في موضع دفنه ، فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط فيه في الهند ، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة . ويقال إن نوحاً عليه السلام لما كان زمن الطوفان حمله هو وحواء في تابوت ، فدفنهما ببيت المقدس ، حكى ذلك ابن جرير .
وروى ابن عساكر عن بعضهم أنه قال : رأس عنه مسجد إبراهيم ورجلاه عند صخرة بيت المقدس . وقد ماتت بعده حواء بسنة واحدة .
واختلف في مقدار عمره عليه السلام : فقدمنا في الحديث عن ابن عباس وأبي سريرة مرفوعاً : أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة .
وهذا لا يعارضه ما في التوراة من أن عاش تسعمائة وثلاثين سنة . لأن قولهم هذا مطعون فيه مردود ، إذا خالف الحق الذي بأيدينا مما هو المحفوظ عن المعصوم .
وأيضاً فإن قولهم هذا يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث . فإن ما في التوراة - إن كان محفوظاً - محمول على مدة مقامه في الأرض بعد الإهباط ، وذلك تسعمائة سنة وثلاثون سنة شمسية ، وهي بالقمرية تسمائة وسبع وخمسون سنة . ويضاف إلى ذلك ثلاث وأربعون سنة مدة مقامه في الجنة قبل الإهباط على ما ذكره ابن جرير وغيره ، فيكون الجميع ألف سنة .
وقال عطاء الخرساني : لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام ، رواه ابن عساكر .
فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام ، وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي ذر مرفوعاً : أنه أنزل عليه خمسون صحيفة .
فما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش فقام بالأمر بعده ، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل ، وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة ، وأنه أول من قطع أشجار ، وبني المدائن والحصون الكبار ، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى . وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً من مردة الجن والغيلان ، وكان له تاج عظيم ، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة .
فما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ وهو إدريس عليه السلام على المشهور .