مقاربة بين أخلاق العرب والمسلمين في «القتال» ومواد اتفاقات «جنيف»
أخرجت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كتاباً أشبه بالمطوي في حجمه، غير أنه حكى بلغة الرسم والصورة مقاربة فريدة بين موروث «الحضارة الإسلامية» ونصوص اتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والبرتوكولات الملحقة بها.
ومع أن الكتاب الذي عثرت عليه «الحياة» في رف قصي في معرض للهلال الأحمر السعودي، غاب عنه التنظير الفقهي والديني إلا أنه بالإشارة إلى المرويات الموثقة من التاريخ العربي والإسلامي، استطاع أن يبرز توافقاً كاد يكون حرفياً بين تلك الأخبار والمادة القانونية التي أضحت قانوناً عالمياً، من خلال نشره الخبر والمادة التي تقابله في الصفحة نفسها!
فبينما نقل عن الفخر الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب» قوله: «النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم والبدن الإنساني أشرف في هذا العالم»، أثبت في الجانب المقابل نص المادة الثالثة في اتقافيات جنيف الأربعة لعام 1949 على أنه يحظر على أطراف النزاعات المسلحة غير الدولية: أعمال العنف ضد الحياة والشخص. (كما) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص التحقير والمعاملة المزرية.
وفي موضوع تالٍ أورد من كتاب «الحضارة العربية في القرن الرابع الهجري» لآدم ميتز، أن «الخليفة العباسي المعتصم بالله أخذ أحد حصون أرمينية عنوة بعد معركة دموية، فأمر أن لا يفرق بين أعضاء العائلات التي وقعت في الأسر»، ويقابله نص المادة 82 من اتفاقية جنيف الرابعة 49 في شأن حماية المدنيين وقت الحرب، على أن «يقيم أفراد العائلة الواحدة، وعلى الأخص الوالدان والأطفال طوال مدة الاعتقال في معتقل واحد».
ولم ينس إيراد توجيهات الخلفاء الراشدين مثل أبي بكر وعمر وعلي لجيوشهم أيام الفتح الإسلامي وإن لم يجد مثيلاً تاماً لها في القانون الدولي، ما يرجح الكفة لصالح الإسلامي، فعندما أورد وصية علي رضي الله عنه الشهيرة في قوله «إذا هزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلا بإذن، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً، ولا تعذبوا النساء بأذى وإن شتمنكم وشتمن أمراءكم، واذكروا الله لعلكم ترحمون»، لم يجد المنتقي أفضل من نص المادة 76 من البروتوكول الأول لعام 77 على أنه «يجب أن تكون النساء موضع احترام خاص، وأن يتمتعن بالحماية، ولا سيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة».
ولا يسع المتصفح للكتاب أن يتجاهل براعة المنتقي في اختيار نماذج مشرقة، غير قابلة للتأويل، منذ بداية العهد الراشدي حتى آخر مغازي صلاح الدين، الذي كانت أخباره الأكثر وروداً في المطوي، كما لم يتجاهل أياً من عهود الدولة الإسلامية الماضية، الراشدي والأموي والعباسي والفاطمي.
والمبدع للفكرة كما أشار الكتاب وهو محيي الدين اللباد، بذل جهداً إضافياً في محاكاة الأخبار التاريخية برسم بديع، يعود أيضاً للحضارة الإسلامية، وبدا أثناء إشارته للمصادر أن الرسوم وحدها احتاجت وقتاً، فهناك رسم أخذ من مخطوطة «مقامات الحريري» المحفوظة في دار الكتب الوطنية بباريس، وآخر من مخطوطة «دعوة الأطبا» المحفوظة لدى مكتبة الأمبروزيانا بميلانو، وهكذا كان الحال في بقية المخطوطات النفيسة، والراقدة في عواصم فرنسا وإيطاليا وبريطانية والفاتيكان وغيرها.
وفضلاً عن كشف المطبوع سبق الإسلام في تقنين «حفظ حقوق الإنسان في الحروب»، فإن مخرجيه أنفسهم يقرون بأن ذلك السبق لم يستدرك بعد، إذ لا يزال « الفقهاء المعاصرون يطالبون بمزيد من الحماية لضحايا النزاعات المسلحة (...) إضافة إلى ما تزخر به كتب الفقهاء (الأقدمين) الكثيرة من الكتابات تحت مصنف السير أو المغازي، حيث أضافوا التفريعات تكملة للأصول وواصلوا الأحكام».
ويختمون بما يمكن أن يعتبر غاية المطوي الكبرى وهو أن العرض يوضح للعربي والمسلم أن «قواعد القانون الدولي الإنساني لا تخرج عن عباءة الإسلام بأي حال، بل إن الكثير من قواعده تجد مصادرها في هذا الدين الحنيف وعلى ذلك فإنه من السهل على الإنسان إذا ما عرف أن قواعد القانون الوضعي تفرض عليه احترام قواعد معاملة ضحايا النزاعات المسلحة، وأن الأمر فوق كونه قاعدة وضعية فهو قاعدة إنسانية استقرت وترسخت في الوجدان الإنساني تخاطب فيه إنسانيته فيحرص على احترامها وصون أحكامها».
لكن المعضل الأزلي يبقى في تطبيق «المثل» أياً كان مصدرها، إذ عند التطبيق وحده يكون السقوط، ولهذا يشير رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية خالد السديري إلى أنه «بعد قراءة مستفيضة لما كتب عن حقوق الإنسان وقوانينها، وجدت أن معظمها يتفق مع ما في الشريعة الإسلامية إن لم يكن أخذه منها، لذلك ما يهمنا هو التطبيق» في إشارة إلى أهمية تجاوز الحساسية من مصطلح «حقوق الإنسان» الذي ظل جرسه غربياً. بيد أن «العيب» أن يكون رغم ذلك «الخطاب الإسلامي» لا يزال نصيب حقوق الإنسان منه ضيئلاً، كما عالج رجل الدين السعودي الشهير حسن الصفار في كتاب حمل عنوان العيب نفسه «حقوق الإنسان في الخطاب الإسلامي»!
----------
مصطفى الأنصاري