Judge
ما يشترط في القاضي
حكمة مشروعية القضاء
--------------------------------------------------------------------------------
القاضي عند فقهاء المسلمين هو من يفصل بين الناس في الخصومات حسمًا للتداعي وقطعًا للنزاع بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة. وفي لغة العرب، مأخوذ من قضى يقضي فهو قاض أي حاكم. جاء في المصباح المنير ـ قضيت بين الخصمين وعليهما: حكمت.
والقضاء أحد السلطات في الدولة التي تندرج تحت الخلافة التي هي نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا. فالقاضي نائب عن الخليفة وهو الذي يتولى تعيينه بنفسه أو بوساطة من يوكله في ذلك.
ما يشترط في القاضي. يشترط في القاضي أن يكون ذكرًا مسلمًا بالغًا، حرًا عدلاً، عالمًا وعاملاً بأصول الشرع، متمتعًا بكل الحواس من سمع وبصر وكلام وأن يكون ورعًا في دينه، زاهدًا غنيًا ـ فإن كان فقيرًا أغناه الإمام. وأن يكون صبورًا وقورًا ـ غير عبوس ـ لا يبالي بلوم الناس ولا بأهل الجاه. وأن يكون الكل عنده في مجلس القضاء سواء، وأن يكون معروف النسب، قويًا من غير عنف، لينًا من غير ضعف، ذا أناة وتؤدة وفطنة بصيرًا بأحكام الحكام قبله، وألا يسمع كلام أحد الخصمين دون الآخر، وأن يختار كاتبًا أمينًا صدوقًا، وألا يقبل الهدية، ولا يقضي وهو غضبان ولا جوعان ولا على حال يضايقه، ولا يقضي على عدوه لكن يقضي له ولا يبيع ويشتري مع من يعرفون منصبه ولا يكثر من مجالسة الناس والمشي معهم إلا لحاجة.
ومن هنا كان للقضاء مكانة كبرى ينظر إليه الفقهاء على أنه واجب عظيم يصعب على الإنسان القيام به بالطريقة التي ترضي الله سبحانه وتعالى. والقضاء وظيفة تحاط بالهيبة، فهي مظهر من مظاهر العدل وهي الحصن الذي يهرع إليه المتظلمون والفيصل الذي يلجأ إليه المتنازعون وهو أقوى دعامة لاستتباب الأمن واستقرار النظام. والقاضي يعد ركن كل مائل وقوة كل ضعيف وناصف كل مظلوم. وهو سنة المرسلين ومهمة النبيين كلفهم الله به عينًا إذا انفرد بشروطه واحد أمكن القيام به. والقاضي المعتبر في الإسلام هو الذي يحكم بين الناس بما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله. قال تعالى: ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم﴾ المائدة: 49. وقال أيضًا: ﴿وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط﴾ المائدة: 42. وقال عليه السلام لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن. (كيف تقضي إذا عرض قضاء؟ قال: بكتاب الله. قال فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول الله. قال فإن لم تجد؟ قال اجتهد رأيي ولا آلو ـ أي لا أقصر. فضرب على صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله ). رواه أبو داود وابن ماجه.
حكمة مشروعية القضاء. يعيش الإنسان بطبعه بين جماعة الإنسان، وقد غرس الله سبحانه وتعالى فيه حب الغلبة والأثرة. لذا جاءت الشريعة الإسلامية بناحية خلقية لتهذيب طبيعة الإنسان. وجاءت فيها الأحكام الملزمة والعقوبات الرادعة لترد الظالم وتوقفه عند حده وتلزم المتنازعين بحكم القضاء. وكان لابد حينئذ لهذه الأحكام من سلطة تشرف على تنفيذها وتباشر تطبيقها. من أجل ذلك كان القاضي الذي أعطاه الشارع سلطة النفوذ وحُكْمه لا يرد.
ويبدأ القاضي أولاً بسماع المدعي واستدعاء المدعى عليه وسماعه بحضور المدعي إن أمكن، ثم استدعاء الشهود وسماعهم بعد الكشف عن حالهم والتحقق من عدالتهم، ثم الكشف والنظر في القضية وحقيقتها ومشكلتها من سماع الخصمين والشهود. ليتمكن بذلك من الوصول إلى الحق. وإذا أشكل على القاضي أمر تركه أو استشار فيه أهل العلم أو حوله إلى هيئة أعلى وله أن يصلح بينهما إذا أشكل عليه وجه الحكم. أما إذا تبين له وجه الحكم وقطع به حكم بما يراه.
والقاضي عند مختلف الشعوب الحديثة موظف حكومي يرأس محكمة تطبق القانون. يترأس قاضي المحكمة محكمة جنائية أو أدنى. تقوم هيئة المحلفين (نظام في الغرب) بالفصل في الواقعة أو الحادثة. يقوم القاضي بحسم كل المسائل القانونية، ويشمل ذلك قواعد ضبط الدليل الذي يؤخذ به. كما يقوم القاضي بعد الاستماع لكل الأدلة والشواهد ومرافعة المحامين من كلا الجانبين أمام هيئة المحكمة، بتقديم رأيه وحكمه على القضية إلى هيئة المحكمة موضحًا لها الأحكام، والقانون الذي ينطبق عليها.
وفي بعض الأحيان، لا تستخدم هيئة محكمة. وقد يكون السبب الوحيد في ذلك هو أن القضية من النوع الذي يَكْفُل فيها القانون للقاضي، البّت في الوقائع. وربما تكون هنالك وقائع فنية في العلم أو الصناعة، قد تكون معقدة ويتعذر على هيئة المحكمة تقرير حكم حيالها. وفي مثل هذا النوع من القضايا، يبت القاضي في الوقائع حسب الشواهد والقانون.
أما قاضي الاستئناف فإنه يستمع إلى الاستئنافات التي تشكك في صحة أحكام القاضي أو تعترض عليها في أحكام في ضوء القانون. وربما يقوم قاضي الاستئناف بنقض أحكام المحكمة الصغرى. في معظم البلدان هنالك عمرٌ محدد لتقاعد القضاة، وتضع معظم البلدان شروطًا لإحالة القضاة إلى التقاعد، إذا فشلوا في أداء واجباتهم. ولكن يندر استخدام هذه السلطة، وغالبًا ما يستلزم ذلك نوعًا من استطلاع الرأي العام. ويحال القضاة إلى التقاعد في كل من نيوزيلندا والمملكة المتحدة بالتصويت على ذلك في الهيئة التشريعية (البرلمان). والهدف من تقاضي القضاة لأعلى أجر، وتأمين سيطرتهم وولايتهم على مكاتبهم، هو حمايتهم من الضغوط السياسية والإجرامية وتشجيعهم على أن يكونوا عادلين وموضوعيين في أحكامهم.