برونر (جيروم ـ)
جيروم برونر Jerome Bruner عالم نفس أمريكي، ولد في مدينة نيويورك عام 1915، وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفرد وعمل خبيراً في الإرشاد النفسي بالجيش الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية، ثم التحق بالكلية في هارفرد منذ عام 1945 وعمل أستاذاً لعلم النفس في جامعتي ديوك وهارفرد من عام 1952 حتى عام 1972، وأستاذاً في جامعة أوكسفورد في بريطانية من عام 1972 إلى 1980 وعمل كذلك معاون مدير مركز الدراسات المعرفية منذ عام 1961، ودرّس في المدرسة الحديثة للدراسات الاجتماعية بجامعة هربرت ميد في نيويورك في المدة ذاتها.
أسهم برونر إسهاماً عظيماً في مجال علم النفس المعرفي، وذلك من خلال أبحاثه في الذاكرة والإدراك الحسي واللغة والنمو العقلي، وكيفية تعلم الأطفال. واكتسب برونر شهرة واسعة على أنه مجدد في مجال المناهج والتربية، ووجه جل اهتمامه للتعليم على أساس البنية المعرفية مستفيداً في ذلك من مزايا منهجه الحلزوني الذي يقوم على تنظيم المفهومات في مستويات متباينة من الصعوبة، وذلك من الشكل الأبسط وانتهاء بالأصعب. وجاء برنامجه في العلوم الإنسانية تحت عنوان الإنسان. وكان برونر رائداً في مجال استخدام التقانات بغية دراسة الإدراك عند الأطفال ومدافعاً قوياً عن الطريقة الظاهراتية في علم النفس التي ترى أننا لا نستطيع معرفة شيء غير الظواهر وليس الحقيقة المطلقة.
ويصف برونر ثلاث مراحل للنمو المعرفي هي:
ـ مرحلة التمثيل العملي: وتبدأ إثر الولادة مباشرة، ويرى برونر أن الخبرة والفعل عمليتان متكاملتان، إذ لا يمكن فصل الطفل عن بيئته.
ـ مرحلة التمثيل الأيقوني: إذ يكون بوسع الطفل تمثيل العالم عن طريق الصورة التي تعتمد فعلياً على فعله ونشاطه هو، أي الصورة الخاصة به وحده.
ـ مرحلة التمثيل الرمزي: وفيها يتعلم الطفل أن الأشياء لها أسماء، وأن بوسعه اكتساب المهارات اللغوية.
ونادى برونر بضرورة وجود نظرية في مجال التعليم تتكامل مع نظريات التعلم، وتعمل على رفع كفاءة العملية التعليمية كماً وكيفاً من خلال تتبع الأسس والخطوات اللازمة لتقديم المادة التعليمية للمتعلمين بصورة مناسبة. وتعد نظرية برونر نظرية في التعليم بسبب تأكيدها الأساسي تكامل عمليتي التعليم والتعلم.
وأولى برونر اهتماماً كبيراً بنمو القدرات المعرفية لدى الطفل وضرورة بناء المنهج الدراسي محتوىً وطريقةً كي يتلاءم مع خصائص النمو مثله في ذلك مثل بياجيه وأوزوبل Piaget and Ausubel في أن كلا من النضج والبيئة ذو تأثيرات جوهرية في النمو العقلي المعرفي لدى الطفل.
ولعل من أهم مايميز نظرية برونر أنها أعطت وزناً كبيراً للمدرس بمعنى أن مسؤولية المدرس عن مدخلات التعليم ومخرجاته قد تكون أكبر من مسؤولية المتعلم ولدى الأطفال خاصة.
وانتقل برونر بصورة تدريجية، من الاهتمام بالأبحاث المخبرية إلى الاهتمام بموضوعات عملية ميدانية، وركّز بصورة خاصة على كيفية تعلم العلوم العامة كما ركّز على أهمية الاكتشاف باعتباره يقوم بالدافع في عملية التعلم.
وبدأ برونر بنشر مؤلفاته بالإنكليزية عام 1960، وأخذت تتزايد وتتنوع منذ ذلك الحين، ومنها: «عملية التربية» (1960)، و«حديث الطفل» (1983)، و«الأفعال ذات المعنى» (1990)، و«ثقافة التربية» (1996)، إضافة إلى بحوث كثيرة عن فعل الاكتشاف والنمو المعرفي.
التعلم بالاكتشاف
يرى برونر أن التعلم بالاكتشاف هو التعلم الذي يحدث حين تُقدّم المادة التعليمية للتلاميذ ناقصة غير مكتملة وتشجعهم على تنظيمها وإكمالها وهي تتضمن اكتشاف العلاقات القائمة بين هذه المعلومات. إن القضية الأساسية عند برونر هي كيف نتمثل نحن الكبار المعرفة، ومن ثم نقدمها تقديماً مناسباً للمتعلم الناشىء حتى يتمكن هو الآخر من تمثلها. فهو يؤمن أنه يمكن تعليم أي مادة بصورة فعالة وبصورة عقلية مناسبة لأي طفل في أي مرحلة من مراحل النمو.
وقد انتُقِد برونر بشدة، إذ كيف يمكن أن نعلم الطفل أي مادة وعند أي مستوى من الصعوبة. فهل يستطيع الطفل في الصف الأول الابتدائي على سبيل المثال أن يتعلم الحساب (أي مستوى معقد من المعلومات الحسابية). وكان رده هو أنه بالإمكان تعليم الطفل جوانب ذات معنى من المادة في عمر معين. وأكد برونر تطوير برامج تعليمية أكثر فعالية من خلال اختبار الأطفال لها ثم تفاعلهم معها ثم ترميزها. واهتم أيضاً بمسألة إتاحة الفرصة للطلاب لاكتشاف معنى بنية المادة التعليمية بأنفسهم.
ويرى برونر أن بوسع المتعلمين اكتشاف اللا تناقض بين تكوين المفهوم واكتسابه، فالأشياء في العالم تتألف من فئات ومجموعات طبيعية، والمفهومات ببساطة أسماء الأشياء التي يتعلمها الناس أو أشياء مجردة غير متوافرة في الواقع.
أما تطبيقات برونر في مجال التعليم بالحاسوب فتتفق مع المعرفيين الآخرين الذين يرون أن الطريقة التي يعمل بها البرنامج الحاسوبي تماثل الطريقة التي يعمل بها العقل داخل الدماغ، وهذا يعني أن الانتباه كان موجهاً إلى الطرائق التي تعمل الآلة وفقها، وليس إلى الآلة بحد ذاتها. وأن أهمية علم النفس المعرفي بالنسبة للحاسوب تكمن في اعتماده على تصميم نظم معرفية اصطناعية تقوم على محاكاة جوانب المعرفة البشرية.
كان برونر واحداً من الباحثين الذين عارضوا السلوكية الراديكالية الجديدة التي تزعمها بوروس سكنر B.F.Skinner عالم النفس الأمريكي، لأن برونر يرى أن السلوكية اختصرت كل أشكال النشاط النفسي في مخططات المثير والاستجابة والتعزيز، وعملت على صرف الانتباه عن المسائل الرئيسة للعلوم الإنسانية.
وتؤكد المدرسة السلوكية في التعلم الشروط الخارجية التي تؤثر في السلوك، وتفترض أن كل المتعلمين متساوون بصورة أولية ولكن الأحوال التي يخضعون لها تتغير، وهذا ما يفسر التغيرات اللاحقة في السلوك، في حين تؤكد المدرسة المعرفية بالدرجة الأولى البنية العقلية التي لا تتألف من المعرفة السابقة للمتعلم فقط، ولكنها تتضمن أيضاً الاستراتيجيات التي يوظفها لمعالجة الموقف التعليمي الراهن.
إن الخلاف بين المدرستين حول عملية التعلم لا يقتصر على جانب واحدٍ فقط، بل هو خلاف يتناول مجمل العوامل والمتغيرات المتعلقة بهذه العملية. غير أن هذا الخلاف لا ينفي وجود علاقات مشتركة ووجهات نظر متقاربة في كثير من الأمور، وعلى سبيل المجاز يمكن اعتبارهما قائمة من اللاعبين تربطهم علاقات مشتركة كما يشير إلى ذلك علماء آخرون.
أمل الأحمد
*******************
مراجع للاستزادة:
ـ فتحي الزيات، سيكولوجية التعلم بين المنظور الارتباطي والمنظور المعرفي (دار النشر للجامعات، القاهرة 1996).
ـ لطفي محمد فطين، وأبو العزايم عبد المنعم الجمال، نظريات التعلم المعاصرة وتطبيقاتها التربوية (مكتبة النهضة، القاهرة 1988).