نظام الإدارة والتقويم في القرآن
في الواقع لا تكمن المشكلة في النصوص المقدسة بل في طريقة تعامل المسلمين معها. كون النص محتوى في كتاب مقدس لا يعني أنه مطلق الصحة زمانا ومكانا لأنه من المستحيل توفر هكذا نص. لو حرم النص اتخاذ العبيد ونكاح الجواري المملوكات لما آمن به عربي واحد في القرن السادس الميلادي. والنص الذي يبيح ذلك لا يمكن أن يقنع أي متحضر في القرن الحادي والعشرين. كل النصوص دون استثناء محكومة بزمانها ومكانها. قد تبدو المسألة السابقة سهلة لأن هناك شيء كان مسموحا ثم منعناه، لكن ماذا عن الذي كان ممنوعا ثم اضطررنا للسماح به؟ الزكاة محددة ب 2.5% وما يزيد عن ذلك ممنوع وحرام على أي أحد بما فيهم الدولة أخذه من أموال الناس، انه أكل لأموال الناس بالباطل. لكن الدول الحديثة جميعها تقوم على الضرائب التي تجبيها من الناس وهذه الضرائب تصل إلى 30% وقد تزيد ودون ذلك يستحيل قيام أي دولة.
يمكننا أن نفترض أنه حين أوحى الله بالدين للأنبياء اليهود الأوائل لم يكن هناك في علم البشر في العالم طريقة للإدارة والحكم جيدة بما فيه الكفاية ودعنا نتجاوز مرحلة المسيح فهو لم يكن خاتم الأنبياء كما أن فقهاء المسلمين يقرون بأن المسيح لم يجيء بشريعة جديدة وإنما هي شريعة موسى. لكن قبل نشوء الإسلام كان الرومان قد أقاموا نظاما تشريعيا وقانونيا شديد التطور للدرجة التي يعتمد عليه كل العالم المعاصر في أيامنا هذه، والأهم أن الدول الإسلامية جميعها بدا من السعودية التي أجرت انتخابات بلدية منذ فترة مرورا بالسودان وإيران وباكستان واندونيسيا والمغرب، باختصار جميع الدول الإسلامية بمجالسها وحكوماتها ورؤسائها المنتخبين تعتمد عليه، اقصد التشريع الروماني، بل حتى الجماعات الإسلامية كالإخوان المسلمين. هذا التشريع كان موجود قبل الإسلام بقرابة ألف عام وقبيل نشوء الإسلام بعدة قرون كانت بصرى في جنوب سوريا التي تبعد عن الحجاز عدة مئات من الكيلومترات لها مجلس مدينة منتخب. فلماذا لم يتضمن القرآن هذا النظام أو ما هو أفضل منه؟ لماذا ترك المسلمين يقتتلون على طريقة الحكم وإدارة الدولة منذ لحظة وفاة النبي بل قبل ذلك عندما احتج الأنصار على إعطاء النبي غنائم ثقيف وهوازن لقريش كما احتج التميمي على طريقة توزيع النبي للغنائم. لو نجح الإسلام في تطوير نظام إدارة جيد لربما سيطر على كل العالم واستمر حتى اليوم، إن معظم مشاكل المسلمين راجعة إلى عدم وجود مثل هذا النظام بدليل أن كل المسلمين من دول وجماعات يتبنون نظام الانتخابات والتمثيل ذو المنشأ اليوناني الذي كان الرومان قد وطدوه قبل الإسلام بألف سنة.
هناك جواب يقول أن العرب يومها كانوا غير قادرين على استيعاب مثل هذا الشيء، ولكن هل الإسلام دين خاص للعرب وفي ذلك الزمان؟ إذا كان كذلك فالجدل منتهي. وعموما لم يكن العرب يومها قادرين على استيعاب كيفية تكون السحب والنسبية التي يكتشفها فحول الإعجاز العلمي اليوم في القرآن، فهل كان الله عاجز عن أن يدس في القرآن نظام إدارة جيد نكتشفه حين الطلب؟ مع أن مثل هذا النظام كان موجود قبل الإسلام بألفية كاملة وكانت الحاجة ماسة إليه منذ اليوم الأول للإسلام ولكنه غائب تماما.
جواب ثاني وهو أن النظام موجود في الآية( وأمرهم شورى بينهم) هذا الجواب ليس أكثر من تملص مفضوح يتجاهل عمدا الآية التي تفسر الآية السابقة (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) كما يتجاهل جميع تصرفات النبي والخلفاء بعده المبنية على الشورى غير الملزمة للحاكم حسب الآية الثانية وبالتالي ليس هناك مجال للشك في أن مفهوم الشورى شيء كامل الاختلاف عن مفهوم التمثيل والانتخاب بل هو متناقض معه. الحاكم المنتخب ليس لديه خيار بل أصلا ليس لديه سلطة إلا ما يخوله الناس، كل الناس وليس خاصة الناس الذين يسمون في الفقه الإسلامي بأهل الحل والعقد وهم الذين درج النبي والخلفاء من بعده على مشاورتهم دون أن يلتزموا بآرائهم. الشورى بهذا المفهوم تتناقض مع نظام التمثيل والانتخاب القرطاجي والإغريقي - الروماني الذي ليس فقط يتبعه المسلمين اليوم بل هو أهم مطالبهم من كل اتجاهاتهم وفي جميع بلدانهم. وعلى كل حال هل كل ما يستحقه نظام حكم الدولة وإدارة شؤون الناس هو آية واحدة بينما يُخصص للوضوء والتيمم آيات وتُعاد قصة موسى مرات ومرات.
لو كان القرآن يحوي كل شيء ويصلح لكل زمان ومكان فأن أول شيء يجب أن يركز عليه هو نظام حكم الناس وإدارة الدولة كما تفعل كل الدساتير قديما وحديثا، هل قصة يوسف أهم من ذلك؟ أم قصة أهل الكهف؟ أم قصة الهدهد وسليمان؟
ليس هناك من مجال لمنصف أن ينكر أن القرآن كتاب جاء في مكان معين وزمان معين ضمن معارف وروح ذلك الزمان وذلك المكان، وهذا لا يقلل من قيمة القرآن فالتوراة والإنجيل وكل الكتب المقدسة وغير المقدسة هي كذلك لأنه ببساطة لا يمكن لكتاب أن يحتوي كل شيء!!!!
هذا عن نظام الإدارة فماذا عن التقويم؟ كان اليهود قبل الإسلام يتبعون تقويما قمريا شمسيا، فهم يضيفون كل 19 سنة 7 أشهر بحيث تكون هناك 12 سنة كل منها تحتوي 12 شهر و7 سنوات كل منها تحوي 13 شهر وبهذا يحافظون على بداية الشهر مع دورة القمر وفي نفس الحين يصبح الفرق بين 19 سنة شمسية و19 سنة عبرية بضعة دقائق مما يحافظ على توافق التاريخ القمري مع الشمسي. بدأ العرب يتبعون تقويما مماثلا قبل الإسلام وهو ما يُسمى في المصادر الإسلامية بالنسيء. في مثل هذا النظام إذا افترضنا أن بداية رمضان كانت في أوائل تشرين الأول عند بدء تطبيق النظام فهي ستظل دائما ثابتة في النصف الثاني من أيلول والنصف الأول من تشرين الأول مع بقاء الشهور تبدأ مع ولادة الهلال. يفيد هذا النظام في جعل السنة التي تعتمد عليه متوافقة مع النظام الشمسي الطبيعي الذي يعتمد عليه كل شيء من الزراعة والحصاد وتلقيح الحيوانات وحتى السفر. لكن الإسلام ألغى النظام الشمسي - القمري الوليد حسب الآية: (إنما النسيء زيادة في الكفر... ) ما يعني أنه ترك تقويم وحيد هو القمري الذي ينتقل الشهر فيه بين كل فصول السنة. هذه العملية مفهومة بل ذكية فبما أن العرب أمة أمية ويصعب عليها إجراء مثل هذه الحسابات خشي النبي أن تقوم المؤسسة الدينية الكهنوتية التي ستكون وحدها القادرة على إجراء مثل هذه العملية بالتحكم بالناس وهذا صحيح للغاية. لقد أراد النبي أن يترك للعرب دين سهل: تصوم إذا رأيت الهلال وكذلك تفطر وتصلي حسب موقع الشمس من السماء وحتى الغيم الذي نادرا ما يغطي سماء الصحراء لم يشأ النبي أن يترك البت في بداية شهر الصوم عندما يقع لسلطة ما، كان يعرف أنها ستتحول حتما إلى سلطة كهنوتية تتحكم بالناس فقال(إذا غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما). هذا يدل على تقدير ذكي شديد التفوق. انه نظام مناسب جدا بالنسبة لعرب الصحراء في ذلك الزمان.
من المعلوم أن الإسلام ما أن انتقل إلى الشام والعراق وفارس ومصر حيث الناس ليسوا رعاة بل فلاحين، يحتاجون إلى توقيت ثابت يقوم على السنة الشمسية يستطيعون استخدامه لتحديد مواقيت الحصاد والزرع وتلقيح الحيوانات، حتى عرف الناس أن التقويم الهجري غير صالح لذلك. فأنت إذا كنت ستزرع حسب المثال السابق في بداية رمضان فانك في السنة الثالثة ستكون انتقلت من بداية تشرين الأول إلى بدايات أيلول، وكل المزارعين يعرفون دون أن يقول لهم أحد أن الدورة الزراعية تتقيد بالتقويم الشمسي بدقة كبيرة. هذا هو السبب في كون فلاحين الشام مثلا يعتمدون التقويم الميلادي الشرقي بل حتى المناسبات المسيحية لتحديد مواعد الزراعات فهم مثلا يقولون أن الخضار تأمن من الصقيع بعد عيد الخضر الذي يقع في 6 أيار وهو عيد مار جريوس عند المسيحيين في سوريا وكذلك يبدأ تحضير الأرض للزراعة بعد عيد الصليب الذي يقع في 14 أيلول وهكذا.
هل يبقى هناك من شك أن القرآن كان مناسب تماما للعرب في الزمان والمكان الذي جاء فيه وأنه ليس مناسب لكل الأزمنة ولا لكل الأمكنة، وإلا أين نظام الحكم الواضح وأين التقويم الزماني المناسب وهما يكادان يكونان أبسط واهم متطلبات أي مجموعة من البشر، علاوة على أن كلاهما كان معروف ومحدد بطريقة متطورة للغاية تكاد تتطابق مع ما هو موجود لدينا الآن قبل الإسلام بقرون، فيوليوس قيصر كان قد أصلح التقويم وأضاف السنة الكبيسة مرة كل أربع سنوات قبل الإسلام بنحو سبعة قرون.
في قضية التقويم نرى أن القرآن جاء بطريقة متقنة إلى حد بعيد تناسب مكان وزمان عرب عصره، وفي تلك الأيام على قلة المعارف التي كانت متوفرة لم يكن أحد يتوهم أن هناك طريقة تصلح لكل مكان وزمان، وبالتالي فليست مشكلة القرآن أن المسلمين المعاصرين يعتقدون هذه الخطيئة الفاحشة رغم توفر كم كبير من المعارف لم يكن متوفرا أيام جاء القرآن.