من الذي يخاف من الإسلام؟
كتاب "من الذي يخاف من الإسلام" هو من تأليف الباحث الفرنسي غي ميليير. وهو نائب رئيس معهد أوروبا الحرة وأستاذ في إحدى جامعات باريس. وكان قد نشر سابقا عدة كتب نذكر من بينها: ماذا يريد العرب بالضبط؟ وقد ألفه بالاشتراك مع المفكر الإيراني فريدون هويدا. وكتاب : لماذا لم تعد فرنسا جذابة؟ وكتاب : المستقبل طبقا لجورج بوش. الخ..وقد اشتغل لسنوات عديدة في مراكز البحوث الأمريكية ولذلك فهو من أكثر المطلعين في فرنسا على تركيبة المجتمع الأمريكي وشخصياته وقضاياه. مشكلته الوحيدة هي أنه مقرب من المحافظين الجدد والإدارة الأمريكية الحالية. ولكن ميزة الاطلاع على كتابه هي أنه يكشف لنا عن عدة أشياء منها: كيف يفكرون فينا كعرب وكمسلمين؟ ماذا يخططون لنا؟ ماذا يطلبون منا بالضبط؟ ما رأيهم بصدام الحضارات وكيف سيحلون المشكلة؟ من هنا ضرورة الاطلاع على فكر الآخر حتى ولو اختلفنا معه في نقاط عديدة..ولكن هناك نقاط أخرى وجيهة عند الرجل وتستحق الاهتمام كما سيرى القارئ.
الإشكالية الأساسية: الفهم المتزمّت والظلاميّ للإسلام
في الواقع إنه يشنّ في كتابه هذا حملة شعواء على الأصولية الإسلامية أو على ما يدعوه بالإسلام الراهن. فالإسلام كما هو مفهوم ومعاش حاليا في العالم العربي والإسلامي عموما لا يعجبه ولا يروق له على الإطلاق.
وفي رأيه أن المسلمين يفهمون دينهم بطريقة متعصبة ولا يمكن أن تتصالح مع الحداثة والديمقراطية. وبالتالي فمن واجبهم تغيير فهمهم للإسلام أو تجديده لكي يتأقلم مع روح العصور الحديثة. وإلا فإن المشاكل سوف تكبر بينهم وبين العالم الغربي الأوروبي-الأمريكي، وسوف يحصل صدام الحضارات لا محالة. بل انه حاصل الآن. وبالتالي فالمشكلة قد لا تكون في الإسلام كإسلام وإنما في طريقة فهمه وتفسيره من قبل أغلبية المسلمين.
ومنذ البداية يقول المؤلف ما يلي : في عام 1970 كان عمري عشرين عاما. وكنت قد أمضيت سنتين في مدرسة خاصة مسيحية. وقد خرجت منها بذكريات فظة وعنيفة عن دين أجدادي... وتعرفت عندئذ على فتاة آسيوية من أصل إسلامي وأحببتها. ولكني استيقظت يوما ما ووجدت أنها قد هربت. إلى أين؟ لا أعرف.
ولهذا السبب ابتدأت أهتم بالإسلام، ولم أكن أعرف عنه شيئا يذكر من قبل. ثم يردف المؤلف قائلا: ورحت أقرأ الكتب بالمئات، والمقالات بالآلاف. ونبشت الكتب في اسطنبول، والقاهرة، ودمشق، وبيروت، بحثا عن الإسلام وتراثه لكي أتعرف عليه.
ثم سافرت في البلدان والأقاصي. وأحببت بعمق البلدان العربية، مثلما أحببت لاحقا إفريقيا السوداء. بل وأحببت حتى حدّ السكين الذي وضعوه تحت عنقي في مدينة تدمر بسوريا عندما اعتقدوا بأني جاسوس وأجبروني على إعطائهم شريط الصور الذي أخذته للمناظر هناك... كل سائح هو جاسوس محتمل في نظر هؤلاء...
ولكن في كل مكان من العالم العربي أو الإسلامي كنت أحس بأني أعيش في القرون الوسطى، بل وما قبل القرون الوسطى! من أين جاءني هذا الإحساس؟ بالطبع فإني أستثني بعض البلدان القليلة جدا كالإمارات العربية المتحدة، ودبي، وقطر، والكويت. فهي متقدمة من الناحية المادية والعمرانية والتجهيزات والبنى التحتية عموما.
ما عدا ذلك كان العالم العربي يبدو لي وكأنه توقف عن التطور وجمد منذ عدة قرون! وعندما سألت بعضهم عن سر هذا التخلّف قالوا لي: إنه الاستعمار. فأنتم الغربيون نهبتم ثرواتنا وسحقتمونا، وبالتالي فأنتم سبب تخلفنا.
ولكن المؤلف يقول بأن هذا الجواب لم يعجبه، أو بالأحرى لم يشبعه. فهناك أسباب أخرى للتخلف العربي أو الإسلامي ولا يمكن أن نلقيها كلها على كاهل الاستعمار. ومن بين هذه الأسباب قمع المرأة وتحجيبها، أي قمع نصف المجتمع وإخراجه من دائرة الحياة، والعمل، والمساهمة في تطوير البلاد. وباسم من تقمع المرأة وتحجّب وتمنع من الاختلاط بالرجل؟ باسم الدين وقد فهموه على حرفيته وظاهره، وليس من خلال جوهره. فالدين في العالم الإسلامي مفهوم بشكل متحجر، متخشب، متحنط، لا يليق بالعصر أبدا. وهو سبب التخلف وليس الاستعمار على عكس ما يزعم الكثيرون.
في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، تراجع الحجاب في تركيا وإيران وبلدان عديدة تحت تأثير حركات التحرر والحداثة. في عهد كمال أتاتورك اختفى الحجاب من تركيا تقريبا، وفي إيران حصل نفس الشيء في عهد الشاه.
المقارنة بين الثورة الإيرانية والثورة الفرنسية
ثم جاء آيات الله وثورتهم الإسلامية العظيمة وقالوا للناس: انظروا. إنهم يمنعون بناتكم من لبس الحجاب ويحوّلونهن إلى بغايا! وهكذا عاد الحجاب من جديد في عهد الخميني وأتباعه.
وأتذكر أنه في ذلك الوقت، أي عام 1980 جاءني أحد طلابي الإيرانيين وقال لي بكل حماسة وفرح : إن ثورتنا عظيمة مثل الثورة الفرنسية عام 1789 التي حررت بلادكم من النظام الملكي البغيض! فأجبته : ولكن انتبهوا! فبعد عام 1789، جاء عام 1793 ومرحلة الإرهاب والمقصلة الشهيرة للثورة الفرنسية! وأخشى وما أخشاه هو أن تؤدي المقصلة عندكم إلى قطع رؤوس الآلاف من الأبرياء وغير الأبرياء.
ثم إن الثورة الفرنسية جاءت بعد التنوير الفلسفي والتقدم العلمي وبالتالي أعطت نتيجة إيجابية في نهاية المطاف. وأما أنتم فأين هو التنوير عندكم؟ لم يحصل أي نقد للدين ورجال الدين كما حصل عندنا قبل الثورة. أين هو فولتير الإيراني؟ أين هو ديدرو وجماعة الفلاسفة الموسوعيين؟ أين هو جان جاك روسو والعقد الاجتماعي وكتابه "أميل" عن التربية؟ عندكم لا يوجد أي شيء من هذا القبيل.
عندكم لا توجد إلا كتب الملالي ورجال الدين وآيات الله والخميني وأشرطة التسجيل التقليدية التي تعبّئ الناس بالملايين... عندكم ثورة سياسية كبرى لا ريب، ولكن أين هي الثورة الفكرية؟
وبالتالي فلست متفائلا مثلك بهذه الثورة الدينية. وأعتقد أنها ستعيد إيران إلى القرون الوسطى. فالثورة السياسية بدون الثورة الفكرية حبلها قصير. إن مشروعها سلفي ولا أفق لها..
وهذا ما حصل بالفعل لاحقا. ثم انتقلت العدوى الأصولية إلى شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي حتى وصلنا إلى حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، وجماعة الطالبان في أفغانستان، وجبهة الإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وحتى بن لادن والقاعدة، إلخ..
ما هي أسباب الإرهاب في نظره؟ ولماذا لا يرى إلا نصف الحقيقة فقط؟
ثم يشن المؤلف حملة عنيفة على المثقفين العرب الذين يتهمون الغرب وإسرائيل والفقر المدقع بأنها الأسباب الرئيسية لازدهار الإرهاب والحركات المتطرفة. ويرفض أن يعترف لإسرائيل بأية مسؤولية عن تردي الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ويدافع عنها أكثر مما يدافع الإسرائيليون عن أنفسهم! وهنا تكمن نقطة خلافنا الرئيسية مع الرجل. لكن لندعه يعبر عن أفكاره حتى النهاية.
إنه يقول بأن إسرائيل ليست هي سبب كل المشاكل في العالم العربي والإسلامي. فالعوامل الذاتية أو الداخلية تلعب دورها هنا أيضا. ويقصد بها الاستبداد السياسي، والفساد الإداري، وسوء الحكم، والظلم الاجتماعي، إلخ. ونحن لم نقل بأنها سبب كل المشاكل ولكنها أحد الاسباب بدون شك. وينبغي ان يكون المرء أعمى لكيلا يرى ذلك. وقولنا هذا لا يعني أننا ضد السلام أو مع الحرب إلى مالا نهاية..ولكننا نعتقد أن إقامة دولتين لا دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية هو الخطوة الأولى نحو هذا السلام. فليقنع السيد غي ميليير أصدقاءه من المحافظين الجدد بالموضوع ونحن سنكون له من الشاكرين. وعندئذ نحن، أي المثقفين العرب، سنعده بان نتكفل بتقليص حجم التطرف والمتطرفين في المنطقة العربية. ثم ما رأيه بموقف الكاتب الإسرائيلي الشهير دافيد غروسمان الذي رفض أن يصافح أولمريت مؤخرا لأنه لا يعمل من اجل السلام كما ينبغي؟ ما رأيه بهجومه الشديد على القيادات السياسية الإسرائيلية وبخاصة اليمينية التي ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن معاناة الفلسطينيين وعدم الاعتراف بحقوقهم على أرض آبائهم وأجدادهم؟ لقد مللنا من هؤلاء المثقفين الغربيين الذين يدافعون عن إسرائيل حقا أو باطلا ويحرجون بذلك موقف المثقفين الإسرائيليين أنفسهم وبخاصة المستنيرين منهم.. يضاف إلى ذلك أن كل خبراء العالم وأساتذة علم الاجتماع يقولون لك بأن البطالة والبؤس الاجتماعي المنتشرين في أوساط واسعة من السكان يمثلان التربة المناسبة لانتعاش حركات التطرف والعنف ما عدا السيد غي ميليير وبقية المحافظين الجدد الذين لا يرون أي شيء..وهنا تكمن نقطة الخلاف الأساسية مع إدارة بوش الرعناء التي ترفض الاعتراف بمسؤولية العولمة الجائرة عن الوضع المزري للعالم حاليا. فهناك مئات الملايين ممن يعيشون على حافة الجوع والموت في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. أنظر أبحاث المفكر السويسري جان زيغلير عن الموضوع. فهو يعرف عما يتحدث لأنه كان المفوض العام للأمم المتحدة المكلف بتقديم تقرير شمولي عن وضع الجوع والتغذية في العالم. وقد نشر مؤخرا كتابين هامين عن الموضوع هما: امبراطورية العار، أي الامبراطورية الأمريكية، ثم: أسياد العالم الجدد وأولئك الذين يقاومونهم. وهما مفحمان. ولكن يبدو أن البروفيسور غي ميليير لم يقرأ هذين الكتابين أو لم يسمع بهما حتى الآن!
مهما يكن من أمر فإن المؤلف يقدم تحليلات مضيئة عن المسائل الهامة الأخرى. وإذا لم يكن يستطيع التحدث عن إسرائيل بموضوعية على غرار العديد من مثقفي الغرب إلا أنه يعرف كيف يتحدث عن مسائل الجمود الفكري في العالم الإسلامي بكل تمكن واقتدار.
إن تحليله لظاهرة الأصولية والتزمت الديني أو التحجر العقلي، يشغل الكتاب من أوله إلى آخره. إنه موضوعه الأكبر بامتياز. وأما بالنسبة لأسباب الإرهاب وقول بعضهم بأن الفقر المدقع للجماهير العربية هو الذي يؤدي إليه، فإن للمؤلف وجهة نظر مختلفة. فهو يقول مثلا بأن سكان إفريقيا السوداء أو بعض مناطق الهند أكثر فقرا بكثير من العرب والمسلمين ومع ذلك فإنهم لا يلجؤون إلى التعصب الديني ولا يستخدمون سلاح الإرهاب ضد الآخرين ولا يقومون بعمليات كاميكاز أو تفجيرات انتحارية ضد المدنيين العزل الذين يؤخذون على حين غرة في المقاهي أو الشوارع أو الباصات الخ..
فكيف نفسر ذلك؟ يضاف إلى ذلك أن بن لادن من أغنى العائلات وليس الفقر هو الذي دفعه إلى ممارسة الإرهاب والعنف الأعمى. وقل الأمر ذاته عن معظم الطلبة السعوديين أو المصريين أو اللبنانيين الذين قاموا بتفجيرات 11 سبتمبر وما تلاها..
فهؤلاء ينتمون في معظمهم إلى عائلات بورجوازية متوسطة أو حتى بورجوازية كبرى وغنية. فلماذا ضحوا بأنفسهم إذن من أجل تدمير الغرب؟ لأن رؤوسهم محشوة حشوا بالعقيدة المتشددة وأفكار التعصب والحقد على الآخر المختلف عنهم دينا، أو حضارة، أو مذهبا.
ثم يردف المؤلف قائلا: صحيح أنه لا يوجد أي بلد إسلامي متطور اقتصاديا. ولكنهم ليسوا جميعا فقراء. فحيث يوجد الغاز والبترول وقلّة السكان فإن مستوى المعيشة يكون جيدا بل ومرتفعا كما ذكرنا بالنسبة لبلدان الخليج.
وحيث يوجد الغاز والبترول وكثرة السكان يوجد بعض الأغنياء جدّا الذين يطفون على بحر من الفقر والفقراء! ويضرب هنا كمثال السعودية. فعلى الرغم من غناها الهائل بالبترول إلا أن مستوى المعيشة في حالة هبوط متسارع ومخيف حاليا بالنسبة لعموم الشعب بحسب رأيه..
ثم يردف المؤلف قائلا ومتحاملا:
ففي الوقت الذي يصرف فيه آل سعود او الأغنياء الآخرون المليارات على بناء القصور أو البحث عن المتع في الغرب الكافر، فإننا نجد أن بقية السكان يعيشون حالة مادية صعبة أكثر فأكثر. وأما المهاجرون المسلمون الذين جاءوا للعمل عندهم فيعيشون كالعبيد لا أكثر ولا أقل.
وانظروا إلى حالة الجزائر. فالبترول تسيطر عليه زمرة العسكر والحزب الحاكم والشعب يكاد يموت من الجوع. وبالتالي فأين هي مسؤولية الاستعمار؟ قادة الدولة يعيشون في القصور أو الفيلات الفخمة ويضعون المليارات في البنوك الأجنبية من اجل الهرب في اللحظة المناسبة، ثم بالأخص من أجل حماية مستقبل أطفالهم وعائلاتهم، وأما بقية الشعب فلا تكاد تحصل على لقمة الخبز. بل ويشتري الجنرالات الفنادق والمطاعم في فرنسا و سويسرا حيث يضعون الملايين وربما المليارات. وبالتالي فماذا تبقى للشعب الجزائري؟
وأما المغرب وتونس فتعيشان على أموال السياحة، هذا في حين أن مصر والأردن تعيشان على دولارات أمريكا التي لولاها لانهار النظام فورا.
وحدها تركيا تشكل استثناء في كل أنحاء العالم الإسلامي. ولماذا؟ لأنها تجرأت وقامت بالإصلاحات المطلوبة، الإصلاحات الراديكالية التي فصلت الدين عن السياسة أو الدين عن الدولة واتبعت الخطط الاقتصادية الحديثة.
وحتى ماليزيا المزدهرة اقتصاديا والتي تشكل أحد النمور الآسيوية فإن حالتها تدعو للتأمل والتمييز الدقيق: فالواقع أن ماليزيا الصينية هي وحدها المزدهرة وليس ماليزيا الماليزية أو الإسلامية
ولماذا؟ لأن المسلمين كسالى متواكلون لا يشتغلون على عكس الصينيين ثم لأنهم لا يزالون يفهمون الدين بطريقة متخلفة ورجعية... وهي طريقة تمنع التطور أو تعرقله. ولولا أن أتاتورك قطع مع الإسلام التقليدي المتحجر وقلد أوروبا لظلت تركيا متخلفة واستبدادية مثلها في ذلك مثل إيران أو معظم البلدان العربية والإسلامية. ويكفي أن ينتقل المرء بالسيارة من تركيا إلى سوريا لكي يدرك الفرق في التطور.
أسباب نهضة أوروبا وتأخر العالم الإسلامي
ثم يردف الباحث الفرنسي غي ميليير قائلا:
لقد جرت في القرن التاسع عشر مناقشات ضخمة في العالم الإسلامي عن سبب تطور أوروبا وتأخر العالم العربي أو التركي أو الإيراني أو الإسلامي عموما. وقال بعض المثقفين الجريئين ما يلي:
إن طريقة فهمنا للدين الإسلامي هي السبب. فنحن نفهم الدين بطريقة متحجرة عفا عليها الزمن. وهذا ما يضع السلاسل والأغلال في أيدينا وأرجلنا. هذا ما يشلّ طاقاتنا عن الحركة وتطوير المجتمع والرجل والمرأة، إلخ.
وبالتالي فينبغي أن نقضي على التعليم التقليدي أو الفهم التقليدي للدين كما نقضي على النبتة الضارة إذا ما أردنا أن نتطور ونتقدم.
ومن بين هؤلاء الجريئين كان شخص يدعى مصطفى كمال أتاتورك. وقد تجرأ على تأسيس أول دولة علمانية في أرض الإسلام بعد أن ألغى الخلافة. وعلى هذا الأساس شيّد تركيا الحديثة التي تقف الآن على أبواب الاتحاد الأوروبي
ولكن المتعصبين والمتزمتين قدموا جوابا معاكسا وقالوا بما معناه: لقد تخلينا عن الإسلام فتخلى الله عنّا وتأخرنا وسبقنا الآخرون. ومن بين هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928. ومنذ ذلك الوقت وهم يحاربون التقدم ويعرقلونة في كل أنحاء العالم العربي بل والإسلامي. ومن معطفهم خرج بن لادن وكل الحركات المتطرفة الحالية..
ثم ظهر جواب ثالث وهو جواب حزب البعث وقال: بأن التجزئة هي سبب تخلفنا. وبالتالي فلو حققنا الوحدة العربية لانتهت كل مشاكلنا دفعة واحدة... وكانت النتيجة أن وصلنا إلى صدام حسين واستبداده المطلق! وبالتالي فحزب البعث، في نظر المؤلف، هو حزب الفاشية العربية أو القومية العنصرية التي تكره كل الشعوب الأخرى التي تعيش بين العرب: كالأكراد في المشرق، والبربر في المغرب، وكذلك الأرمن والسريان وبقية الأقوام الأخرى التي تمثل الأقليات... إنه حزب يستمد نظريته من الأحزاب القومية والفاشية التي سادت أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين تقريبا.
الجذور العميقة للمشكلة: انتصار الحنبلية والوهابية والاخوان المسلمين على المعتزلة والفلاسفة والمثقفين المعاصرين
ولكن المؤلف لا يصب جام غضبه على التيار القومي العربي بالدرجة الأولى وإنما على التيار الأصولي. فهو يقول مثلا:
المسؤول عن كل الجمود الذي يسود حاليا عالم الإسلام والعرب، بل والمسؤول عن ظهور بن لادن والقاعدة هو شخص واحد يدعى: محمد بن عبد الوهاب! ويمكن أن نضيف إليه حسن البنا، ثم سيد قطب، والمودودي في باكستان، والخميني في إيران.
ففي أواخر القرن الثامن عشر طالب محمد بن عبد الوهاب المسلمين بالعودة إلى حرفية القرآن بالكامل. والعودة إلى حرفية نص كتب في القرن السابع أو الثامن الميلادي، أي قبل ألف وثلاثمائة سنة، تعني بكل بساطة إلغاء التطور أو القضاء عليه قضاء مبرما. فالقرآن كتب قبل ثلاثة عشر قرنا ولم يكتب في القرن العشرين أو الواحد والعشرين. وهو يعكس بيئته و ظروفه وعقلية عصره على عكس ما يظن المسلمون في أغلبيتهم الساحقة.
فأنت لا تستطيع أن تعيش في أوائل القرن الواحد والعشرين بنفس عقلية أناس العصور الغابرة. ثم اتبعه حسن البنا على نفس الخط عندما أسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928. وأصبحت لها فروع في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي. وكان ثمرة كل ذلك هذه التحفة العجيبة التي لا يجود بها الزمان إلى قليلا ونقصد: الشيخ أسامة بن لادن!!
ثم يستطرد المؤلف أكثر ويقول:
إن سبب تخلف المسلمين يعود إلى النقطة الأساسية التالية: لقد تخلوا عن المذهب العقلاني في دينهم: ألا وهو مذهب المعتزلة. واتبعوا مذهب الحنابلة القائم على أخذ النص بحرفيته لا بجوهره. ثم بعد ابن حنبل ظهر ابن تيمية في القرن الثالث عشر ومشى على نفس الخط عندما قال: من تمنطق فقد تزندق! ثم بعد ابن تيمية ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر، ثم بعده ظهر حسن البنا في القرن العشرين، الخ. هكذا نجد أن الخط الأصولي في الإسلام هو الذي انتصر، وانتصاره كان وبالا على المسلمين لأنه منعهم من الأخذ بالعقل وحصرهم بالنقل وحرفية النص. فإذا قال النص برجم الزانية أو قطع يد السارق الجائع الذي سرق رغيف خبز لكي يأكله، فإنه ينبغي علينا أن نرجم الزانية إلى أبد الآبدين، وكذلك نقطع يد السارق!
هذا التفسير الجامد أو الارتباط الحرفي بالنص هو الذي قتل المسلمين. وهو سبب تخلفهم حتى الآن. فما داموا يرفضون إعادة تأويل النص لكي يتماشى مع روح العصور الحديثة فلا حل ولا خلاص. ما دام المذهب الوهابي متحكما برقابهم وعقولهم وما دامت مليارات الدولارات تصرف عليه لنشره في شتى أقطار الأرض فلا يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة. هذه حقيقة أصبحت بديهية لكل من يرى ويسمع. ولا يمكن القضاء على الإرهاب إلا إذا قضينا على الوهابية ونشرنا تصورا آخر عن الإسلام محلها. وهذه معركة فكرية وتاريخية طويلة ملقاة على عاتق المثقفين العرب قبل غيرهم ولكنها تخص الغرب أيضا. فخطر الوهابية يشمل العالم ولا يمكن التساهل معها بعد كل ما حصل. بعد 11 سبتمبر لن تقوم للوهابية قائمة.
أما المعتزلة فقد مثلوا اتجاها معاكسا في الإسلام ولكنهم هزموا وأحرقت كتبهم، ولوحق مفكروهم في الأمصار حتى اختفوا عن الأنظار. وأباح الخليفة القادر بالله دمهم قبل ألف سنة تقريبا...
ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني ما يلي : لقد حاول المعتزلة أن يقرؤوا الدين على ضوء العقل. ثم جاء الفلاسفة الكبار كالفارابي وابن سينا وابن رشد وسواهم وساروا شوطا أبعد في اتجاه العقلانية والاستقلالية الفكرية بالقياس إلى النص. ولكن الجميع هزموا وسحقوا من قبل الفقهاء والخلفاء والمتزمتين والمنغلقين. وهنا تكمن مأساة الإسلام.
فمنذ نهاية القرن الثاني عشر وحتى اليوم لم تقم للفكر العقلاني قائمة في أرض الإسلام. ولهذا السبب فإن الحركات الأصولية المتطرفة والمنغلقة عقليا تحتل الشارع العربي حاليا وتسيطر عليه من المغرب الأقصى إلى الباكستان..
ثم يردف المؤلف قائلا:
فالواقع أن المسلمين منذ ثمانية قرون وحتى الآن يكررون نفس الشيء. فشيوخهم يقولون لهم صباح مساء: نحن لسنا بحاجة لأحد ولا لأي علم أجنبي غريب علينا. نحن نمتلك الحقيقة المطلقة والنهائية في كتابنا فلماذا نبحث عنها في مكان آخر؟ لماذا نتعب أنفسنا؟
وهكذا يتواصل الانحطاط في العالم الإسلامي منذ ثمانية قرون، وكذلك التكرار والاجترار. لا يوجد أي شيء جديد تحت الشمس. فالعلم كله موجود في الكتاب المقدس أو عند القدماء والسلف الصالح. وبالتالي فينبغي أن نعود إلى الوراء لا أن نتقدم إلى الأمام. منطق معكوس ومضاد لمنطق التطور والتقدم.
ما الذي يقوله السلفيون والأصوليون: إنهم يقولون ما معناه: بما أن الحقيقة موجودة في الماضي فلماذا نبحث عنها في الحاضر أو في المستقبل؟ ولكنهم إذ يقولون هذا الكلام يجهلون أن كل العلم الحديث ظهر بعد القرون الوسطى في أوروبا، وأن كل علم الأقدمين سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين منغلق داخل دائرة القرون الوسطى ولم يعد ينفع في شيء. فكيمياء جابر بن حيان لم تعد كيمياءنا، وطب ابن سينا لم يعد طبنا، الخ. فالسلف الصالح مع احترامنا لهم لم يسمعوا بديكارت، ولا بنيوتن، ولا بأنشتاين، ولا بعلم الذرة ولا بعلم الأحياء أو البيولوجيا ولا بعلوم الفضاء التي أوصلتنا إلى القمر أو المريخ ولا بعلم الطب الحديث ولا بفلسفة كانط وهيجل وماركس ونيتشه وفرويد... كل هذا الشيء لم يسمع به القدماء ولم يتح لهم أن يعرفوه. كل الفتوحات العلمية والفلسفية التي حققتها الحداثة على مدار الأربعمائة السنة الماضية في أوروبا، لم يسمع بها التراث العربي الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد.
وبالتالي فكيف يمكن للعالم العربي أن يكتفي بعلم القدماء؟ هذا ما لا يستطيع الأصولي المنغلق داخل عقليته المتحجرة أن يفهمه. يضاف إلى ذلك أن علم الدين تطور كثيرا في عصرنا الراهن، وكذلك علم التفسير، وتاريخ الأديان المقارن، الخ. ولم نعد نستطيع أن نكتفي بفهم الإخوان المسلمين للدين! ثم يرى المؤلف أن التزمت الديني المنتشر حاليا في العالم الإسلامي مثلما كان منتشرا في أوروبا أثناء محاكم التفتيش والعصور الوسطى هو استلاب للعقل، وهو يشبه المرض العقلي لا أكثر ولا أقل.
أنواع الاسلام في الوقت الراهن
ثم يفرق الباحث الفرنسي بين عدة أنواع من فهم الإسلام في العالم العربي:
1- فهناك أولا الإسلام التقليدي أو الصوفي المسالم والمنسحب من العالم والمكتفي بالعبادة والتأمل ولا يؤذي أحدا.
2- وهناك ثانيا الإسلام الأصولي الجهادي الذي يدعو إلى القتل والذبح والتفجيرات على طريقة القاعدة وبن لادن. وهو الذي يرعب الناس حاليا. وقد أصبح مشكلة للعالم أجمع.
3- وهناك ثالثا إسلام الحداثة الذي تمثله النخبة المثقفة من المفكرين، والصحفيين، والسياسيين رجالا كانوا أم نساء. وعليه تعقد الآمال. ولكنه لا يزال أقلية بالقياس إلى التيار الثاني الذي يسيطر على الشارع العربي. كما أنه أقلية بالقياس إلى التيار الأول. ولكنه سوف ينمو ويزداد إذا ما انتشر التعليم الحديث في أوساط المسلمين والعرب وإذا ما حصل نقد جاد للعقلية الدينية المتعصبة والسائدة منذ مئات السنين.
11 سبتمبر وفرحة عرب باريس!
ثم يقول المؤلف مردفا: استفقت في أحد أيام سبتمبر على خبر المجزرة التي أودت بحياة ثلاثة آلاف شخص دفعة واحدة. وسمعت بأن الانتحاريين قد ذبحوا المضيفات الجميلات من الوريد إلى الوريد، وكذلك طاقم الطائرتين قبل أن يقودوهما لكي تنطحا البرجين التوأمين. فهؤلاء كفّار في رأيهم وذبحهم حلال!
واستيقظت مرعوبا وكأني في كابوس. ولم أستطع أن أبقى في بيتي فذهبت بسيارتي أتجول في شوارع حي "باربيس" الباريسي المليء بالعرب. فإذا بي أرى وجوها مشرقة تظهر الفرحة العامرة عليها. وتساءلت: هل هم في عرس؟ هل يحتفلون بمولود جديد؟
لا وا أسفاه! إنهم يحتفلون بالمجزرة! نعم إنهم يحتفلون بمقتل الآلاف في نيويورك وواشنطن عندنا هنا وسط شوارع باريس! وقلت بيني وبين نفسي: هل هذا ممكن؟ هل هذا معقول؟ وعندما سألت أصدقائي المسلمين العقلاء عن سبب ذلك، قالوا: إنه الجهل. ثم أضافوا: الإسلام لا علاقة له بذلك. هؤلاء متطرفون ليس إلا. فسألتهم: لماذا لم يدن علماء المسلمين المجزرة بشكل قاطع؟ لماذا لا يقولون مثلا:
إنه لعار أن يرتكب أشخاص مسلمون بصفتهم مسلمين هذا العمل الدنيء والشنيع. نحن ندين هذه الأعمال ونشعر بالخجل والعار لأنها ارتكبت من قبل مسلمين، وباسم الإسلام.
وسألتهم: لماذا يحاولون التهرب من المسؤولية الواضحة وضوح الشمس. فتارة يفتخرون بالعملية، وتارة يتنصّلون منها ويلقون بالمسؤولية على الموساد، وتارة ثالثة يقولون بأن بن لادن بطل...لماذا كل هذه الذبذبة والتقلب في المواقف؟
وقلت لأصدقائي المسلمين المستنيرين : أروني مسلما واحدا مستعدا لقول ما يلي: نعم إن بعض المسلمين يتصرفون بطريقة بشعة، نعم إن بعض المسلمين مستعدون لاقتراف جريمة ضد الإنسانية كجريمة 11 سبتمبر. أروني مسلما واحدا يقبل أن يقول : نعم إن الإسلام الراهن مريض وبحاجة إلى علاج او إصلاح جذري وبشكل عاجل .
هيمنة الطائفية والمذهبية على العالم العربي والإسلامي
ثم يردف المؤلف قائلا : ينبغي العلم بأن فكرة الفرد والحرية الفردية غير معروفة في الإسلام. فأنت تنتمي إلى القبيلة أو الطائفة التي ولدت فيها غصبا عنك. وحتى لو شئت الفكاك منها فأنت لا تستطيع. أنت مسيحي أو مسلم، سني أو شيعي أو درزي أو علوي ولا تستطيع أن تخرج من جلدك مهما فعلت! فهم يقيمونك على هذا الأساس في بلدان الشرق، في حين ان هذه المقاييس القروسطية انتهت عندنا نحن الأوروبيين منذ زمن بعيد.
ويا ويلك إذا كنت قبطيا أو مسيحيا أو ذمّيا في أرض الإسلام! فأنت عندئذ مواطن من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة: أي مواطن منقوص المواطنة حتى ولو كان آباؤك وأجدادك قد عاشوا في تلك الأرض منذ آلاف السنين، بل وقبل ظهور الإسلام بزمن طويل. انظر إلى حالة المسيحيين العرب...
بل وحتى داخل الإسلام. يا ويلك إذا كنت سنيا في إيران أو شيعيا في معظم البلدان الأخرى!
ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن العالم العربي والإسلامي لا يزال محكوما بمعايير القرون الوسطى الطائفية والمذهبية. وهذه المعايير كانت موجودة عندنا في الغرب أيضا. ولكننا تحررنا منها وأسسنا فكرة المواطنية على أسس أخرى جديدة. وكان ذلك بعد التنوير والثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان والمواطن وفصل الكنيسة عن الدولة. وعندئذ أصبح جميع الفرنسيين مواطنين درجة أولى: أي سواسية أمام القانون ومؤسسات الدولة والإدارة والتوظيف وكل شيء. ولم تعد الدولة الفرنسية تفرق بين الكاثوليكي والبروتستانتي أو حتى اليهودي كما كانت تفعل سابقا أثناء العهد القديم. وهذه هي سنة التطور التي ينبغي أن تشمل البشرية جمعاء. فالإنسان إنسان بغض النظر عن أصله وفصله أو طائفته ومذهبه. وينبغي أن تحترم كرامته بصفته إنسانا ينتمي إلى الجنس البشري. ثم يردف المؤلف قائلا:
ولكن هذا الشيء لم يتحقق عندنا إلا بعد أن شاعت حرية التفكير والنقد التاريخي للنصوص الدينية المسيحية. وهذا الشيء لا يزال ممنوعا في العالم الإسلامي. وما دام ممنوعا فلا يمكن أن تتشكل دولة الحداثة، أي دولة الحق والقانون، أي الدولة الديمقراطية التي تعترف بحرية الاختلاف في الرأي والمعتقد ولا تعتبرها جريمة!
ومعلوم أن فولتير كان يقول: قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد لأن أضحي بنفسي من أجل أن تقول رأيك!
هذا هو المبدأ الذي أسس التعددية والديمقراطية في العالم الغربي. ثم يشن المؤلف هجوما صاعقا على العالم العربي في تركيبته الحالية ويقول: أطالب المسلمين بحقي في أن أقول كل شيء، بل وحتى الشيء ونقيضه في المجتمع العربي أو الإسلامي. فهل يسمحون؟ هل يسمحون لي بحرية القول والتعبير؟ أم أنهم سوف يغتالونني أو يسجنوني؟!
أطالب بحقي في البحث عن خبايا حياة آيات الله، أو حتى بتفتيش أباريق الشاي المليئة بالويسكي في قصور آل سعود. أطالب بحقي بأن أكرر ما قاله الباحثون العرب والمسلمون في التقرير الصادر عن الأمم المتحدة صيف 2002 عن أسباب التخلف العربي
إنهم يشرحون لنا بالتفصيل أسباب الانسداد الحضاري للعالم العربي والإسلامي. وهم يضعون اليد على الجرح ويقولون بأن السبب هو انعدام الحرية، وانعدام روح المقاولة وتأسيس الشركات، وفساد نظام التعليم أو انحطاطه إلى أدنى حد ممكن، والخوف من السلطة بشكل مرعب، والخوف من رجال الدين، ونقص الترجمات وبخاصة ترجمة كتب الفلسفة والعلم الحديث وتاريخ الأديان المقارنة الخ.. فاليونان على صغرها وضعف إمكانياتها تترجم أكثر من العالم العربي كله مجتمعا..وبالتالي فالمسلمون لا يتفاعلون ثقافيا مع الحضارة التنويرية الحديثة كما ينبغي. هذا أقل ما يمكن أن يقال..
ثم يلاحظ المؤلف أن كل العالم تطور أو سائر باتجاه الانفتاح والتطور والديمقراطية ما عدا العالم العربي والإسلامي باستثناء تركيا. وقد آن الأوان لكي يعلم العرب أن الحضارة الغربية هي التي انتصرت كونيا وأخذت تفرض نموذجها على العالم وليس الإسلام. فالإسلام في صيغته الحالية أصبح النموذج المضاد للبشرية بعد أن قام أتباعه بهذه التفجيرات المرعبة في شتى أنحاء العالم، وقتلوا آلاف الأبرياء في نيويورك، وبالي بأندونيسيا، وأماكن أخرى عديدة.
ويختتم المؤلف كلامه بالدعوة إلى إدخال تركيا في الاتحاد الأوروبي من أجل أن تستطيع تشكيل قطب الحداثة داخل الإسلام : أي القطب المضاد للتيار الأصولي المتزمت الذي يشمل العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه. فتركيا العلمانية والإسلامية المستنيرة هي وحدها القادرة على مواجهة هذا التيار في رأيه.
ثم يردف قائلا بأن الغرب ليس عدوا للإسلام أبدا بشرط أن يشرع الإسلام في إصلاح نفسه ويقبل بتبنّي إعلان حقوق الإنسان والمواطن والحداثة الفكرية والسياسية والدساتير المعاصرة. ثم بشرط ان يقبل بتطبيق النقد التاريخي الصارم على نصوصه الكبرى تماما كما حصل للمسيحية في أوروبا.
وأخيرا يدعو المؤلّف إلى تشكيل تحالف كبير في المنطقة يضم تركيا، والعراق الجديد، والأردن، ولبنان المحرّر غير السوري، وإسرائيل، والفلسطينيين المعتدلين من أجل مواجهة ما يدعوه بمحور الإرهاب والتعصب.
وإذا ما تشكل هذا المحور بقيادة أمريكا وانتصر فإن إيران سوف تسقط وكذلك كل الأنظمة الرجعية التي ترفض الإصلاحات الديمقراطية وتنشر الصيغة الأكثر تخلفا عن الإسلام. ولكنه لا يقول كلمة واحدة عن قمع . وهنا تكمن نقطة الضعف الأساسية لكتابه في رأينا.