بداية الأسطورة:
عندما وصل الرومان لأول مرة إلى إسكتلندا الشمالية في القرن الأول الميلادي، وجدوا المرتفعات مأهولة بقبائل شرسة يسمى أهلها بالملونين "نسبة إلى الوشم الذي يغطيهم".. تلك القبيلة كانت تقدس الحيوانات بشكل خاص، وكان معظم الوشم على أجسادهم عبارة عن رسم لحيوانات. يذكر أيضاً أن تلك القبيلة كانت شديدة البراعة بالرسم، ومن أغرب الرسومات الجدارية التي وجدها الرومان قرب بحيرة نِس
(Loch Ness) -وكلمة لوخ هي المرادف لكلمة بحيرة باللغة الإسكتلندية- رسم جداري لوحش ذي خطم طويل، ذي زعانف محل القدمين.. تم وصف هذا الوحش من قبل بعض الباحثين بأنه أشبه بفيل يسبح في الماء، ووصف هذا الوحش الذي ارتبط بقبائل الملونين كان بداية الأسطورة.. أسطورة وجود وحش مائي في تلك البحيرة.. بحيرة لوخ نِس.
ارتبطت وحوش الماء بالفولكلور الإسكتلندي كثيراً، بداية من الأنهار الصغيرة حتى البحيرات شاسعة المساحة، بداية بأساطير أحصنة الماء أو (kelpie) وهي أسطورة عن وحش مائي يشبه الحصان يحاول إغراق كل من يقترب من البحيرة التي يقطنها من أطفال محاولاً إغراءهم بالركوب على ظهره، ومن ثم تلتصق أيدي الطفل بالوحش الذي يغوص به إلى أعماق الماء حتى يغرقه.
كانت -على الأرجح- مذكرات القديس "كولومبا" (Columba) عام 565 ق.م والذي كان له الدور الأساسي في نشر الديانة المسيحية باسكتلندا، من أوائل المخطوطات التي ذكرت اسم وحش "لوخ نِس".. يحكى أن هذا القديس كان في طريقه لزيارة ملك قبائل الملونين مرورا ببحيرة لوخ نس، فرأى وحشاً هائل الحجم يوشك على مهاجمة شخص يسبح بالبحيرة، فأخذ القديس يبتهل إلى الله ويأمر الوحش بأن يذهب في سلام، فامتثل الوحش له وتم إنقاذ السابح.
البداية::...
أسطورة لوخ نس المعاصرة بدأت عام 1933 عندما تم رصف أول طريق شمالي شاطئ البحيرة، بدأت المشاهدات في أبريل تحديداً، عندما رأى "جون ماكي" -صاحب فندق "رمنادروشيت"- وزوجته وحشاً هائل الحجم يغطس ويطفو فوق سطح البحيرة، تلك الحادثة نشرت أيامها في جريدة (Inverness Courier) والتي استخدمت لفظة وحش
(Monster) لأول مرة للدلالة على ذلك المخلوق الذي يقطن البحيرة، وتعتبر تلك الحادثة هي بداية تحول وحش لوخ نِس إلى ظاهرة إعلامية.
المزيد ...............
لنأخذ الموضوع من البداية.. والبداية تقول إنه توجد في شمال اسكتلندا بحيرة تسمى ( لوخ نس ).. وهي بحيرة ضيقة قياسا إلى باقي بحيرات اسكتلندا.. حيث لا يزيد اتساعها عن كيلومتر ونصف ولا يزيد طولها عن 83 كيلو متر.. أما عمقها فيتعدى 260 مترا بقليل.. وهذه البحيرة تداري سرا هائلا عجز العلماء تماما عن إثباته أو نفيه.. ففي عام 1933م وبينما كان مواطن بريطاني يتنزه بقرب تلك البحيرة.. شاهد فجأة رأس ديناصور يبرز من سطح البحيرة لمسافة متر ونصف تقريبا.. فأصيب بدهشة شديدة.. وراح يحدق في الديناصور بذهول.. ولكنه التقط أنفاسه بسرعة وتمكن من التقاط صورة للديناصور في الكاميرا التي كان يحملها معه بالصدفة.. وذهب إلى إحدى الصحف اليومية ليبلغهم بالأمر وهو يلهث من فرط الانفعال.. وقدم لهم الصورة التي كان يظهر بها بوضوح شديد رأس نوع من الديناصورات النباتية التي انقرضت منذ ملايين السنين يبرز من سطح الماء.. وقد هزت هذه الصورة العالم من أقصاه إلى أدناه.. وتناقلت الصحف العالمية الخبر.. ولم تكن هذه إلا البداية فحسب.. فقد توالت المكالمات بعد ذلك من أشخاص أكدوا مشاهدتهم لهذا الديناصور الذي ضرب رقما قياسيا في عدد مشاهديه والذي بلغ حتى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من 5000 شخص من بينهم شخصيات محترمة جدا ولها مكانة مرموقة في المجتمع.. أفادوا جميعا بأنهم قد رأوا ديناصورا من الأنواع النباتية يتراوح طوله من 6 إلى 15 مترا.. بل إن الكثيرين قد التقطوا له صورا فوتوغرافية بلغ عددها حتى هذه اللحظة 2000 صورة.. ولم يعترف الخبراء بصحة أكثر من 34 منها لأن معظم الصور التي التقطت كانت في ظروف جوية سيئة وخصوصا بسبب الضباب الذي يحيط بالبحيرة في الكثير من الأحيان.
وقامت مجموعة كبيرة من العلماء بمراقبة البحيرة واستخدام أجهزة السونار و السونار هو ( باختصار شديد ) رادار يعمل تحت الماء..للتأكد من وجود ذلك الوحش المزعوم.. وقد تبين من أجهزة السونار أن هناك جسما متحركا أصغر بكثير من الحوت وأكبر من سمكة القرش.. الأمر الذي إلى قيام بعض الباحثين بتشكيل فريق غوص يملك جميع التسهيلات اللازمة لكشف سر هذا الديناصور المزعوم.. كما أن الكثيرين من الناس قد اعتكفوا بجانب البحيرة لفترات طويلة علهم ينجحون في التقاط صور فوتوغرافية أخرى أكثر وضوحا لهذا الوحش.. إلا أنهم لم يجدوا أدنى أثر له.. وكأنه يتعمد الظهور في الأوقات التي لا يتوقع فيها أحد ظهوره.. وحار العلماء كثيرا.. وشكلوا فرق غوص أخرى وأخرى للكشف عن لغز هذا الوحش.. إلا أن جميع محاولاتهم قد باءت بالفشل.. الأمر الذي وضع العلماء أمام سؤال قتلوا أنفسهم بحثا في الإجابة عليه وهو.. أين هو عرين ذلك المخلوق؟!..
وقد حاول البعض الإجابة على هذا السؤال بقولهم إن الوحش في أحد الكهوف التي تمتلئ بها البحيرة وفي أعماق لا يستطع الإنسان الوصول إليها.. كما ظهرت نظرية أخرى تقول إن الوحش يعيش في البحر مثل المخلوقات المائية تستطيع أن تعيش في المياه الحلوة والمالحة.. كالدلافين على سبيل المثال.. وحين يعلو الفيضان في شهري يناير وفبراير يتمكن من دخول البحيرة.. وقد أفاد أحد الباحثين فيما بعد أن هناك مشاهدات تاريخية لهذا الوحش يصل عمرها إلى أكثر من ثلاثة قرون.. إلا أن أحدا لم يعط الموضوع أي اهتمام حتى جاءت حادثة ذلك المواطن البريطاني الذي التقط أول صورة لذلك الوحش لتثير كل هذه الضجة حول البحيرة.. وقد يسخر البعض من تلك ويتساءل: وهل هناك مخلوق يعيش طوال هذه المدة؟.. ولكن بعض العلماء أجابوا عن هذا السؤال بقولهم إنه إذا كان وجود هذا الوحش في حد ذاته يعتبر ظاهرة علمية خارقة للطبيعة.. فلماذا لا يكون عمره هو ظاهرة خارقة أخرى.. إن السلحفاة قد تعيش قرنين من الزمان.. فلماذا لا يعيش ذلك المخلوق ثلاثة قرون مثلا.. كما أن البعض الآخر من العلماء قد افترضوا وجود مجموعة منه تتوالد وتتكاثر على مر السنين.. الأمر الذي يعزي رؤية الناس له عبر العصور.. والأمر الذي شجع على هذا الاعتقاد هو أجهزة السونار قد رصدت وجود ثلاثة أجسام متحركة أخرى أصغر من الحوت وأكبر من سمكة القرش.. وعلى الرغم من جميع المشاهدات والصور التي التقطت لذلك الديناصور.. وعلى الرغم من جميع العلماء الذين يؤمنون بوجوده.. إلا أن هذا الموضوع لا يزال مثارا للكثير من الجدل.. بل وحتى العلماء الذين يؤمنون بوجود ذلك المخلوق قد انقسموا إلى قسمين.. فقسم منهم يرى أن هذا المخلوق هو ديناصور نباتي صغير الحجم كما تتفاوت أحجام الديناصورات بشكل كبير فمن الديناصورات الضخمة التي يتجاوز طولها العشر أمتار.. إلى الديناصورات الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها حجم الدجاجة.. إذ لم ينقرض كما كنا نعتقد.. والقسم الآخر يعتقد بأنه وحش مائي لا ينتمي إلى أي فصيلة معروفة.
يقول أحد العلماء المؤيدين لفكرة وجود هذا الوحش : مادمنا قد اكتشفنا أن الفيل القزم ووحش بحيرة ( ماينبوجو ) حقيقة وليست مجرد أسطورة خيالية.. فلماذا لا يكون وحش ( لوخ نس ) أيضا حقيقيا.. والفيل القزم عزيزي القارئ هو فيل مكتمل النمو.. ولكن طوله لا يزيد على المتر و نصف المتر.. وقد ظل الفيل القزم مجرد أسطورة خيالية يتناقلها أهالي جمهورية الكونغو الأفريقية.. إلى أن وجده أحد الباحثين البلجيكيين بالصدفة عام 1936م.. أما وحش بحيرة ( ماينبوجو ) فهو وحش ذو ثلاث حدبات ورأسه مفلطح.. وقد شوهد من قبل الكثير من المواطنين والعلماء.. حيث كان يظهر بصورة واضحة صريحة ولفترة طويلة من الزمن.. الأمر الذي جعل العلماء يعترفون بوجوده عام 1963م.. وبعد كل هذا.. فمن الممكن جدا أن يكون وحش بحيرة ( لوخ نس ) هو الآخر موجود فعلا في تلك البحيرة.
لقد تعدت شهرة هذا الوحش الآفاق.. وأصبح حديث الناس لفترة طويلة لدرجة أنه من العسير أن تجد شخصا وبالتحديد في أوروبا يجهل أمر تلك البحيرة والسر الذي تداريه.. بل وأطلق الناس على الوحش اسم ( نيسي ) نسبة إلى اسم البحيرة.. كما أفردت دائرة المعارف البريطانية صفحة كاملة تتحدث عن هذا الوحش بأسلوب علمي معتمد.. وأعلن سيرك ( برايتون )- وهو سيرك شهير جدا- عن جائزة مادية هائلة لمن يستطيع أن يأسر ذلك الوحش.. ولكن عليك أولا أن تجد الوحش قبل أن تستطيع أسره.. لذلك حجبت الجائزة ولم يفز بها أحد.. ولا يزال العلماء يبحثون و يغوصون في البحيرة لكشف اللثام عن هذا الديناصور المزعوم.. الديناصور أو الوحش الذي أطلق عليه البعض- مع الشهرة التي اكتسبها.. ومع الغموض المحيط به- لقب : أشهر مجهول.
ملاحظة
أشهر الصور التي أظهرت وحش ( لوخ نس ) على الإطلاق.. وقد التقطت في عام 1934م.. وهذه الصورة لها قصة غريبة أثارت الكثير من علامات الاستفهام.. ففي أواخر عام 1993م.. ادعى أحد الأشخاص وهو على فراش الموت ويدعي ( كريستيان سبيرلنج ) أن هذه الصورة مزيفة.. وأنه قد صنع نموذجا لرقبة الوحش مع الرأس من الخشب البلاستيكي ووضعه في البحرية بالاتفاق مع ( د. ويلسون )- الذي توفي قبل عدة سنوات من هذا الاعتراف- والذي قام بدوره بتصوير النموذج ليعرض الصورة على وسائل الإعلام مدعيا أنه التقط صورة حقيقية لوحش ( لوخ نس ).. ويقول ( كريستيان سبيرلنج ) بأنه قد قام بذلك ليخدع الصحافة ووسائل الإعلام انتقاما منهم على ما فعلوه بعائلته.. إذ أن والد ( كريستيان سبيرلنج ) قد قام بتزوير بصمات أقدام على شاطئ البحيرة وادعى أنها آثار أقدام وحش بحيرة ( لوخ نس ).. إلا أن الخبراء قد اكتشفوا أن آثار الأقدام مزيفة.. الأمر الذي أثار وسائل الإعلام.. لتفضح كذبة الأب وبأسلوب مستفز ساخر جعل والد ( كريتيان سبيرلنج ) مثار سخرية الناس.
.. وعلى الرغم من هذا الاعتراف.. إلا أن الخبراء وكثير من العلماء لا يصدقون حرفا من ما ذكر ويعتقدون أن الصورة حقيقية.. وذلك للأسباب التالية:
1- ادعى ( كريستيان سبيرلنج ) وهو على فراش الموت بأنه صنع نموذجا لرأس الوحش مع الرقبة من الخشب البلاستيكي .. وقد نسي أن الخشب البلاستيكي لم يكن قد اخترع في ثلاثينات القرن العشرين عند التقاط الصورة.. بل اخترع بعد ذلك بفترة طويلة.
2- من المستحيل صنع نموذج يتكون من رأس ورقبة ووضعه في الماء حتى ولو لعدة ثوان لالتقاط الصورة دون أن يميل النموذج ليقع في الماء.. أما لو تم عمل قاعدة أكبر ليستند عليها الرأس مع الرقبة فسوف يغرق النموذج رأسيا.. وأيضا بسرعة لا تكفي لوضع النموذج في البحيرة والتقاط الصورة.. وبالنسبة لصنع نموذج كامل للوحش فإن هذا سيكلف مبلغا هائلا من المال لم يكن ( كريستيان سبيرلنج ) أو ( د. ويلسون ) ملتقط الصورة قادران على دفعه.
3- ادعى ( كريستيان سبيرلنج ) أن طول الرقبة التي صنعها يساوي 30 سنتيمترا.. بينما يرى الخبراء أن طول الرقبة- قياسا للدراسات التي أجروها على الصورة- يساوي 1,2مترا.
4- لقد التقط ( د. ويلسون ) صورتين للوحش والصورة الثانية تظهر الوحش بوضعية مختلفة تماما عن الأولى وبصورة أكد الخبراء استحالة استخدام نموذجا واحدا للوحش في الصورتين كما ادعى ( كريستيان سبيرلنج ).
لذا ولهذه الأسباب مجتمعة.. يرجح معظم الخبراء على أن الصورة حقيقية.
أما سبب هذا الاعتراف الغريب من قبل ( كريستيان سبيرلنج ) فلم يستطع أحد تبريره إلى يومنا هذا