خفايا حاسة الشم
خفايا حاسة الشم Olfactory (smelling) sense
مع هذا العصر المتسارع ، تفتح في كل يوم أبواب لمعارف جديدة يتم من خلالها الحصول على الكثير من المعلومات التي تتعلق بكل ما حولنا . وعلى الرغم من سعي الإنسان المستمر لفهم الألغاز الطبيعة إلا أنه ما يزال إلى الآن في خطواته الأولى للوصول إلى تفسير صحيح لكل ما حوله . وان اهتمامه هذا لم ينسه التعرف على دواخله ، بحيث يكسر أقفال أسراره البدنية والنفسية في محاولة للوصول إلى مبتغاه من المعرفة .
وبالرغم من ذلك فالكثير مما يبحث عنه ما زال مجهولا ومحاط بالكثير من العتمة التي يستحيل معها التعرف وتميز الأشياء . وهنا نحاول أن نطرق باب أسرار إحدى حواسنا الخمسة التي مازالت مستعصية على الفهم على الرغم من الشوط الطويل الذي قطع في تفسيرها تشريحيا ووظيفيا ، وقد جاء الدور هذه المرة لتفسيرها جينيا، للتعرف على أنواع الجينات الداخلة في وظائف هذه الحاسة ونوع البروتينات المنتجة وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي كان متعارفا عليها في الماضي .
لغز حاسة الشم
وهب الله الإنسان الحواس الخمسة التي تمكنه من إدراك ما حوله . ومن قدرة الله سبحانه وتعإلى أن جعل لكل حاسة منها آلية عمل تختلف عن غيرها ، فلكل منها عضو وخلايا وأعصاب ومستقبلات خاصة ، تميز فيما بينها . وموقع ارتباط خاص بالدماغ لا يشارك الحاسة شيء فيه ، ولا تتأثر الحواس الأخرى في حالة إصابة موقع إحداها في الدماغ ، مع وجود ارتباط بين هذه الحواس .
تعتبر حاسة الشم من اكثر حواسنا غرابة واستعصاء على الفهم ، فهذه الحاسة التي صنفت كحاسة كيميائية ، أي أنها تعتمد في عملها على تأثير المواد الكيميائية . لم يستطع العلماء إلى الآن تفسير قدرتها على التمييز بين الروائح المختلفة التي يقدر أن الإنسان يستطيع تميز 10000 نوع منها . لكن مع ذلك فالباحثون يدينون للخلايا التي تشارك في عملية الشم بالفضل في تفسير بعض ألغاز هذه الحاسة ، إلا أنه ما يزال هناك الكثير من الأسرار التي يحاول الباحثون تجاوزها للوصول إلى الفهم الكامل لآلية عملها ، والتي بحلها سيتمكن الباحثون من إيجاد سبب امتلاك الكثير من الحيوانات لحاسة شم قوية تعادل 20 – 50 ضعف قوة حاسة الشم عند الإنسان الطبيعي ، بالإضافة إلى محاولة علاج المرضى الذين يعانون من اضطراب أو فقدان حاسة الشم ، وأخيرا اختراع أجهزة تحاكي الأنف في قدراته على الشم وتميز الروائح .
فعملية الشم تبدأ مع دخول الجزيئات المتطايرة الدقيقة جدا ( اقل من 300 حجم جزيئي ) إلى فتحة الأنف ، ثم وصولها إلى منطقة تدعى المنطقة الشمية ، حيث تذوب هذه الجزيئات في الطبقة المخاطية الرقيقة المحيطة بهذه المنطقة والتي تفرز من قبل غدد بومان Bowman’s glands ، ثم تقوم بروتينات خاصة موجودة في المنطقة المخاطية بنقلها إلى المستقبلات الشمية Olfactory receptors ، التي يقدر عددها بحوالي عشرة ملايين مستقبل ، والتي تقع على سطوح بروزات دقيقة جدا تدعى الأهداب Cilia ، وتتصل هذه المستقبلات بدورها بالأعصاب الشمية التي تتجمع في منطقة واحدة تدعى البصلة الشمية Olfactory bulb ، التي ترسل هذه الأعصاب إلى منطقة الاميكلاندا amygdala في الدماغ حيث يتم تحليل الرائحة والتعرف عليها . يدخل ضمن عملية الشم هذه عدد كبير من العمليات الكيميائية والجينية التي ما زال العلم الحديث عاجزا عن فك طلاسمها ومعرفة أسرارها .
ولابد هنا من الإشارة إلى بعض الأمور التي لديها علاقة مباشرة بحاسة الشم في محاولة لفك هذه الطلاسم ، منها الصفات الخاصة التي يجب أن تمتلكها جزيئات الرائحة ، فهذه الجزيئات يجب أن تكون دقيقة جدا بحيث لا تتجاوز 300 حجم جزيئي ، ويجب أن تكون قليلة القطبية ، وقابلة للذوبان في الماء والدهون . وشيء آخر مهم يجب عدم إغفاله وهو أن مساحة المنطقة الشمية عند الإنسان والموجودة في كل منخار لا يتعدى 5 سم مربع بينما عند القطط تصل إلى 25 سم مربع وعند الكلاب إلى 50 سم مربع . ولون هذه المنطقة عند الإنسان يميل إلى اللون الأصفر بينما يكون لونها بني عند الكلاب. ويرجع العلماء ذلك إلى كثافة المستقبلات والأعصاب عند الكلاب في هذه المنطقة . يضاف إلى ذلك امتلاك الأعصاب الشمية لصفة تميزها عن جميع أنواع الأعصاب الأخرى وهي وجود خلايا جذعية تحتها تجعلها تتجدد كل 40 يوما .
بالإضافة إلى كل ما سبق فقد اكتشف العلماء في السنوات الأخيرة بروتينات توجد في المنطقة المخاطية تلعب دورا مهما في عملية الشم ، تعمل على :
• نقل الجزيئات الذائبة في السائل المخاطي إلى المستقبلات
• الارتباط بالمستقبلات التي تنقل الرائحة بشكل إشارات عصبية إلى الدماغ .
• تخليص المنطقة الشمية من الجزيئات القديمة عن طريق تحطيمها ، لكي تعطي فرصة للجزيئات الجديدة للوصول إلى المستقبلات .
• وقاية المستقبلات من زيادة تركيز جزيئات الرائحة عن الحد الطبيعي .
ومع هذا الإيجاز البسيط الذي يعتبر شيئا ضئيلا جدا مما عرفه العلماء ، إلا أن هناك أمور كثيرة لم يتسنى للعلماء فهمها عن عملية الشم وكيف تتم داخل هذه التركيبة من البروتينات والمستقبلات والأعصاب؟ ، وكيف نميز بواسطة هذه الآلية بين الروائح المختلفة؟ ، بالإضافة إلى وجود نواقل عصبية كثيرة تشترك في هذه العملية لم يحدد نوعها إلى الآن .
وقد أضاف هذا عبئا كبيرا على الطب ، حيث يعاني الأطباء من عدم قدرتهم على معالجة فاقدي حاسة الشم ، وعلى الرغم من كون هذه الحالة غير مؤثرة بشكل كبير على الحياة ، إلا أن الباحثون قد لاحظوا أن فاقدي القدرة على الشم يصابون بحالة من الاكتئاب وتغير في طبيعة حياتهم . وذلك بسبب وجود علاقة كبيرة بين حاسة الشم والعواطف ، والمزاج ، والذاكرة ، وجهاز المناعة ، والهرمونات في الجسم ، ووصل البعض إلى القول أن هناك علاقة بين حاسة الشم والعلاقات الاجتماعية .
وقد ظهرت نظريات عديدة في هذا المجال ، إلا أنها لم تعطي تفسيرا كاملا لعملية الشم ، أو فشلت في تفسير حالات معينة . لذلك اتجه الباحثون الآن إلى التقنيات الجينية من اجل حل هذه المسألة ، وقد زودتنا هذه التقنيات الحديثة بمعلومات جديدة كانت خافية عن الباحثين ، إلا أنه وبسبب كون هذه التقنيات ما زالت في بداياتها ، فالفهم الكامل لمثل هذه الأمور ما زال بعيدا ، أو كما يحلو للبعض القول : " نحن في الخطوات الأولى من الألف ميل" .
بداية حل اللغز
يقوم عالم الأعصاب لوردس كاتز قبل بداية محاضرته في كلية الطب في جامعة ديوك في ولاية كارولينا الأمريكية بفتح قنينة تحتوي على مادة ذات رائحة لاذعة جدا . الكثير من طلابه يغادرون مقاعدهم نتيجة عدم تحملهم للرائحة ، بينما لا يتأثر كاتز لأنه لا يشم هذه الرائحة . تأتي مثل هذه الاختلافات في حاسة الشم من التباين في المستقبلات الشمية ، التي هي عبارة عن بروتينات موجودة على سطح الأعصاب الحسية التي تحدد طبيعة الرائحة الكيميائية المتطايرة التي تصل إلى مجارينا التنفسية . يوجد لدينا عدد كبير من هذه المستقبلات المميزة ، والتي من خلالها نستطيع تميز عدد كبير من الروائح والتي قد يصل عددها إلى 10000 نوع مختلف. لكن من دون فهم كامل لكيفية تشفير هذه المعلومات بواسطة المستقبلات الشمية .
يقول ستيوارت فيرستين ، عالم الأعصاب في جامعة كولومبيا في ولاية نيويورك الأمريكية : " يعتبر أنف الثديات افضل كشاف كيميائي في العالم ، ومازلنا إلى الآن لا نفهم كيف يعمل " . وفريق فيرستين كان أول من استطاع تحديد التفاعل الجزيئي بين مستقبل معين وجزيئات الرائحة.
وقد حدد العلماء عن طريق التجارب ، أن كل خلية حسية تحمل نوعا واحدا من المستقبلات . وتشفر هذه المستقبلات التي توجد في الثدييات فقط من قبل عائلة كبيرة من الجينات . فعلى سبيل المثال يمتلك الفأر ، الذي يمتاز بحاسة شم قوية جدا ، ما يقارب 1200 جين معظمها في حالة عمل. لكن عند الإنسان هناك حالة شبه معكوسة ، فقد حصلت طفرات في ثلثي جينات المستقبلات الشمية حولتها إلى جينات غير فعالة . وكما يبدو فأن هذه المستقبلات قد فقدت قدرتها على العمل منذ أسلافنا الأوائل نتيجة الطفرات التي حصلت ، كما هو الحال بالنسبة للقدرة البصرية الكاملة على رؤية الألوان . لكن بالرغم من ذلك فمن الصعب مقارنة انخفاض حاسة الشم مع حاسة البصر ، فمن السهولة تحديد الخلية الحسية التي تستجيب للأطوال الموجية للضوء في قرنية العين . فعبر عقود مضت ، استعمل علماء الأعصاب أجهزة تسجيل إلكتروظيفية Electrophysiological recording ، لتسجيل وتجميع وتحليل الاستجابات لنماذج بصرية معقدة .
لم يستطع الباحثون في مجال حاسة الشم البناء على مثل هذا الأساس الثابت ، فمادة عطرية مفردة يمكن أن تميز من قبل عدة مستقبلات شمية ، وكل مستقبل منها يمكنه تمييز عدة أنواع من الروائح . وهذا يعني أن تحديد أي راحة يتم تشفيره عبر مجموعة من الخلايا الحسية . لكن المشكلة الكبيرة تكمن في أن الشفرة لم تحل حتى الآن ، وقد تعرف علماء الشم إلى الآن على درزن واحد فقط من المستقبلات الشمية عند الثدييات . وبصراحة اكثر ، فأن الباحثين لم يتمكنوا من تحديد أي عصب حسي يحمل مستقبل واحد .
طرحت العديد من النظريات التي تحاول تفسير ذلك ، ومنها أن آلية العمل هنا تتضمن إعادة تنظيم باتجاه واحد ( غير عكسية ) للحامض الرايبي منقوص الاوكسجين DNA لجينات المستقبل الشمي ، بطريقة تشابه ما يحصل في خلايا بيتا المناعية B-cells في جهازنا المناعي حيث أنها تقطع وتلصق جيناتها لإنتاج نوع واحد فقط من الأجسام المناعية Antibodies . لكن دليل الإثبات كان ضعيفا لدعم ذلك ، بالإضافة إلى أن تقنية الاستنساخ قد محت هذه النظرية. فعند نسخ فأر من خلية بيتا مفردة ، فأن جهازه المناعي ولد نوع واحد فقط من الأجسام المناعية . بينما عند نسخ فأر من خلية شمية عصبية ناضجة ، فأن الفأر الناتج كان لديه تنوع في المستقبلات الشمية . وهذا أدى إلى طرح سؤال جديد وهو كيف يفعل العصب الشمي ذلك إذا لم يستطيع أن يعيد تنظيم جيناته لإنتاج مستقبل مفرد ؟ . وللإجابة عن هذا السؤال يقول راندال ريد من كلية جونز هوبكنز الطبية الجامعية في بالتيمور في ولاية ماريلاند ، الذي درس هذه المشكلة : " إنه لا يفعل ذلك ، فكل المستقبلات تتكون أولا ثم تتخصص بعمل واحد تدريجيا " . لكن الطفرات التي حصلت في جينات المستقبلات الشمية أدت إلى أن هذه الجينات ستبقى فعالة لكنها في الوقت نفسه لا تؤدي إلى إنتاج مستقبل فعال .
ومن خلال تجربة تم فيها عمل انتقال جيني في فأر يحمل جينات تشفر مستقبلات عاملة وأخرى غير عاملة ، لاحظ فريق العمل بقيادة راندل ريد وهيتوشي ساكانو من جامعة طوكيو ، انه في حال ملائمة العصب الحسي لهذا الجين ، فأنه يشفر المستقبل الفعال مباشرة ، ويترك المستقبل الآخر غير الفعال . وان مصير الخلية سيتحدد بذلك ، وسوف تعمل الخلية على إنتاج نفس المستقبل لما تبقى من عمر الخلية. لكن عملية ضمان عدم تحول هذه الجينات المتعددة في الخلايا، يبقى أمرا غير واضح . ربما بسبب أن الجينات يجب أن تتفاعل عشوائيا مع نوع من الجزيئات التي تتوفر بكمية قليلة .
لدى سانكو نظرية أخرى ، فهو يفترض أن جين المستقبل الشمي يحتاج إلى أن يتفاعل مع منطقة تمتد من الحامض الرايبي منقوص الاوكسجين DNA ، تعرف بمنطقة تحكم لوكوس Locus Control Region -LCR ، مكونة بعض البروزات على الكرموسوم نفسه . ويمكن لهذه المنطقة أن تلتف وتضم جينات الشم ، وهذا ما يحاول سانكو إثباته ، لكن ذلك يمكن أن يحصل لجين واحد في المرة الواحدة . أما بالنسبة لمجموعة من هذه الجينات ، فقد لاحظ سانكو أن اختفاء جزء صغير في منطقة تحكم لوكوس أطلق عليها تسمية الموقع هـ ( H ) ، سيؤدي إلى بقاء مجموعة الجينات هذه غير فعالة .
وبالرغم من كل هذه الاكتشافات ، إلا أن المعرفة الكاملة في كيفية إنتاج مستقبل فعال من قبل الخلايا الحسية المفردة سيبقى منطقة مظلمة لبعض الباحثين لتفسير كيف تقوم هذه الخلايا بالتعرف على الروائح . للمساعدة في كسر هذه الشفرة ، يجب على الباحثين أولا دراسة التفاعلات بين المستقبلات ومختلف الروائح لكل خلية مفردة . لكن من الصعب جدا تنمية وعزل هذه الخلايا عن محيطها ، وهذا ما ولد مشكلة كبيرة للباحثين الذين حاولوا اختراق شفرة الشم ، كما أن الخلايا المجاورة لها تحتوي على مستقبلات مختلفة .
إلا أن الحل البديل موجود أيضا ، فمن خلال الهندسة الجينية للخلايا سيتمكن العلماء من جعل هذه الخلايا اكثر قابلية للاستزراع في المختبر وحمل المستقبلات على سطوحها . لكن الجهود في هذا المجال أيضا تصاب بالإحباط بشكل دائم بسبب الفشل في نقل المستقبلات الشمية إلى الغلاف الخارجي للخلايا المهندسة جينيا . يحاول هيرواكي ماتسيونامي من جامعة ديوك إخراج هذه التجارب من عنق الزجاجة الذي وصلت إليه . ففي عمل غير منشور له ، يذكر فيه أن المستقبلات الشمية بحاجة إلى بعض المساعدة من أحد أنواع البروتينات لإيجاد طريقها إلى سطح الخلية ، فإذا أدخلت جينات المستقبل والجينات التي تشفر هذا البروتين معا إلى داخل الخلية ، فستجد هذه المستقبلات طريقها إلى السطح . بدأ ماتسيونامي باستعمال هذه الطريقة على الخلايا التي أطلق عليها اسم خلايا هانا Hana – مشتقا من التسمية اليابانية للأنف – لاكتشاف أي جزيئات الرائحة ستميز بواسطة المستقبلات المختلفة .
لكن هذه المهمة ليست بهذه البساطة ، فدليل جديد جاء من قبل فريق العمل بقيادة كازيوشيك توهارا من جامعة طوكيو ، يقترح أن بعض الروائح يمكنها أيضا إغلاق مستقبلات الشم ، بدلا من تنشيطها . هذا يعني أن تجاويف أنوفنا ستمثل ساحة معركة يتنافس فرسان الروائح مع بعضهم لتنشيط أو إغلاق مستقبلات الشم . وقد أدركت بعض معامل إنتاج العطور هذا المفهوم ، فعملت إلى إضافة جزيئات لمنتجاتها لتعزيز رائحتها . فعند إضافة بعض الروائح إلى خليط العطور ، فأن البعض سيلغي رائحة البعض الآخر أو سيغير رائحة الخليط التي نشمها . يقول ديفيد لانك ، عالم الأعصاب في جامعة جنوب ويلس في مدينة سيدني في استراليا : " لدينا قدرة وظيفية محددة تمكننا من التميز بين ثلاثة روائح في الوقت الواحد". بالإضافة إلى أن هناك أنواع من الروائح يمكن أن تكون قوية جدا بحيث تطغى على الروائح الأخرى أو حتى تلغي تأثيرها .
ومع هذا كله ، فأن العلماء يأملون في التمكن يوما ما من فك شفرة مستقبل الشم . تقول كارينا دننيس ، وهي صحفية من مجلة الطبيعة ، عن هذا الموضوع : " لو تمكن العلماء من فك شفرة مستقبل الشم ، فأن ولع علماء الأعصاب بحاسة الشم سيزداد ليصلوا إلى الموقع الذي وصل إليه زملائهم ممن درسوا حاسة البصر قبل عقود من الآن ، وسيمكنهم هذا من دراسة خلايا مختلفة من هذا النظام ، وربما يساعدهم على فهم كيفية تشفير المعلومات في المستقبلات وبمراحل أعلى بكثير مما هم عليه الآن " .
سيتساءل الكثير هل أن فقدان حاسة الشم أمر خطير؟. والإجابة ستكون نعم . لان ذلك يعتبر في بعض الأحيان أمرا مهلكا، على الرغم من كونه غير مؤذي بشكل كبير . لكن رغم ذلك تبقى حاسة الشم الإنذار الأول في الكثير من الحالات الطارئة كتسرب غاز سام أو في حالة وجود دخان صادر عن حريق . وفي بعض الأحيان يعتبر فقدان حاسة الشم دليل على الإصابة بمرض خطير كمرض الزهايمر أو أحد أنواع الأورام الخبيثة أو سوء تغذية أو حالة نفسية معينة . كما لوحظ أن فقدان حاسة الشم أدى إلى إصابة عدد كبير من المرضى بحالة اكتئاب . بالإضافة إلى فقدان حاسة الشم أدى إلى فقدان جزء كبير من حاسة التذوق التي تلاحظ عادة من قبل المرضى
اضطراب حاسة الشم
يزور الأطباء كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية اكثر من 200000 شخص يعانون من اضطراب في قدرتهم على الشم وتميز الروائح . ويقدر عدد المصابين بهذه الحالة في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها ما يقارب مليوني شخص . وعلى الرغم من كون هذه الحالة لا تؤثر على الحياة بشكل مباشر ، إلا أنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى أمراض نفسية أهمها الاكتئاب . بالإضافة إلى فقدان الكثير من حاسة التذوق للارتباط الكبير بين هاتين الحاستين .
هناك عدة أنواع من اضطرابات حاسة الشم :
• فقدان حاسة الشم نهائيا Anosmia
• نقص الشم أو فقدان حاسة الشم جزئيا أو ضعف حاسة الشم Hyposmia ، والتي تتميز بأن الشخص المصاب بهذه الحالة يفتقد إلى القدرة على تميز الروائح المختلفة .
• فرط الشم أو زيادة قوة حاسة الشم Hyperosima والتي تتميز بازدياد حاسة الشم ولروائح معينة أحيانا
• بالإضافة إلى حالات أخرى متمثلة في شم روائح غير موجودة نتيجة أمراض نفسية أو تغير في شم الروائح نتيجة إصابة عصبية .
ويرجع الأطباء هذا الاضطراب في حاسة الشم إلى العديد من الأسباب ، منها :
• أمراض فيروسية أو جرثومية
• إصابة في الرأس أدت إلى أذى في الدماغ
• اضطراب هرموني كما يحصل مع الحوامل أو أثناء الدورة الشهرية
• التقدم في العمر
• بعض الأمراض التي تصيب الدماغ كالزهايمر
• تكون زوائد أو الالتهاب في منطقة الشم
• حالة وراثية أو ولادية
• حالات نفسية كمرض الفصام
• حالات مرضية كمرض الشقيقة
• التعرض لبعض المواد الكيميائية كالمبيدات الحشرية أو المذيبات أو بعض أنواع المعادن
• أنواع معينة من الأدوية
• الإصابة بورم سرطاني في الرقبة أو الرأس
• العلاج الكيميائي
التشخيص
هناك اختبار بسيط يجريه الطبيب المعالج لتقدير حالة فقدان حاسة الشم . حيث يعطى المريض بعض الأوراق التي يقشطها ثم يشمها ، وكل واحدة منها تحمل رائحة معينة ، ويحدد الطبيب حالة المريض من خلال قدرته على تميز الروائح . وكان هذا الاختبار أولا يجرى لمرضى اضطراب حاسة الشم فقط أما الآن فقد اعتمد هذا الاختبار في الولايات المتحدة الأمريكية لتشخيص مرضى الزهايمر . حيث يطلب الطبيب المختص من المريض التعرف على روائح مألوفة من كتاب الشم ، وقد لاحظ الأطباء أن مرضى الزهايمر يحتاجون إلى وقت أطول من اجل تحديد الروائح ، ويخطئون في التعرف عليها في كثير من الأحيان . ومن فوائد هذا الاختبار تحديد مرضى الزهايمر في وقت مبكر مما يتيح فرصة اكبر لعلاج هؤلاء المرضى في مراحل مبكرة .
خطر الفقدان
سيتساءل الكثير هل أن فقدان حاسة الشم أمر خطير؟. والإجابة ستكون نعم . لان ذلك يعتبر في بعض الأحيان أمرا مهلكا، على الرغم من كونه غير مؤذي بشكل كبير . لكن رغم ذلك تبقى حاسة الشم الإنذار الأول في الكثير من الحالات الطارئة كتسرب غاز سام أو في حالة وجود دخان صادر عن حريق . وفي بعض الأحيان يعتبر فقدان حاسة الشم دليل على الإصابة بمرض خطير كمرض الزهايمر أو أحد أنواع الأورام الخبيثة أو سوء تغذية أو حالة نفسية معينة . كما لوحظ أن فقدان حاسة الشم أدى إلى إصابة عدد كبير من المرضى بحالة اكتئاب . بالإضافة إلى فقدان حاسة الشم أدى إلى فقدان جزء كبير من حاسة التذوق التي تلاحظ عادة من قبل المرضى .
العلاج
يعتمد اغلب أنواع العلاج على الحالة نفسها ، فإذا كان السبب مرضي كالزوائد الأنفية فان التدخل الجراحي كفيل بإزالتها، أما الإصابة بالعدوى فأن علاجها سيؤدي إلى عودة حاسة الشم إلى حالتها الطبيعية ، أما إذا كان السبب هو اخذ دواء معين ، فان تغيير الدواء أو تعديل جرعته سيساعد في الشفاء . وهناك عنصر ينصح به الأطباء دائما للمحافظة على حاسة الشم وهو عنصر الزنك الذي يساهم كثيرا في في علاج اضطراب حاسة الشم .
العلاج باستخدام الذاكرة الشمية
تحمل بعض الروائح للعديد منا ذكريات حسنة أو سيئة ، وعلى الرغم من ذهاب هذه الذكرى إلا أن الرائحة مازالت عالقة في أذهاننا كلما عادت إلينا تذكرنا بالحادثة المرتبطة بها . وقد لوحظ هذا كثيرا خلال العمليات الجراحية ، فأخر رائحة يشمها المريض أو رائحة آخر وجبة طعام قبل العملية تظل عالقة في ذاكرته . مما جعل البعض يذهب إلى تطوير هذا النوع من الذاكرة ليكون طريقة علاجية جديدة ، تعتمد على رائحة معينة خلال العلاج ، وتكرار هذه الرائحة سيكون له تأثير إيجابي كبير في الشفاء .
واحدة من اكثر الدراسات المثيرة للفضول والتي نشرت مؤخرا ، تم خلالها حقن مجموعة متطوعين من الذكور الأصحاء بحقنة إنسولين مرة واحدة ولمدة أربعة أيام ، بحيث يصل مستوى الإنسولين إلى أعلى مستوى ممكن من دون حدوث انخفاض في سكر الدم ، وفي الوقت نفسه كان يشمون رائحة معينة . في اليوم الخامس من التجربة تم إطلاق الرائحة ولم يتم حقنهم بالإنسولين ، وعند قياس مستوى السكر وجد انه مشابه لتركيزه عند حقن الانسولين .
وفي تجربة أخرى قام فريق الباحثين بأخذ مسحة من تحت إبط بعض النساء في أوقات مختلفة من الدورة الشهرية ، وتم بعد ذلك استخلاص إحدى المواد التي عملت عند شمها من قبل نساء أخريات على تأخير أو تقديم الدورة الشهرية عندهم ، تبعا للوقت الذي أخذت منه المسحة من النساء الأوليات .
حقائق و عجائب
• 75 % من حاسة التذوق هي عبارة عن شم
• يستطيع الكلب تميز الاخوة التوائم غير المتطابقين عن طريق الشم ، لكنه لا يستطيع تميز التوائم المتطابقين .
• يستطيع الجرذ تحديد مكان المتفجرات عن طريق الشم
• يمتلك كل فرد منا حاسة شم خاصة به ، ما عدا التوائم المتطابقين
• تستطيع عثة الملابس أن تشم الجزيئات المفردة
• الكلب البوليسي يستطيع تتبع آثار الجريمة ومعرفة منفذها عن طريق الشم حتى بعد 24 ساعة من وقوع الجريمة
• قرن الاستشعار عند بعض الحشرات يمكن أن يستعمل الإلكترونات المحيطة به كحاسة شم
• الكلاب والخيول تستطيع تميز رائحة الخوف عند الإنسان ، وهي رائحة يقول عنها العلماء إنها تتحرر مع رائحة العرق الذي يفرزه جسم الإنسان عند الخوف
• حاسة الشم لدى النساء أقوى منها عند الرجال وبمختلف مراحل الحياة . ومع ذلك فأن قوة هذه الحاسة تختلف حسب أيام الدورة الشهرية ، وتقل عادة بعد انقطاع الدورة الشهرية
• يميز الأطفال الرضع أمهاتهم عن طريق حاسة الشم . وفي تجربة تم فيها غسل أحد ثدي الأم مباشرة بعد الولادة ، اختار 22 طفلا من أصل 30 طفلا الثدي غير المغسول عن طريق الرائحة
• يؤدي التدخين إلى ضعف حاسة الشم
• يعود سبب عدم استطاعتنا الشم أو الإحساس بالروائح عند إصابتنا بالبرد ، إلى تعذر وصول جزيئات الرائحة إلى مستقبلات الشم.
• تؤدي بعض أدوية المضادة للحساسية إلى تقوية حاسة الشم
• يوجد عند الإنسان الطبيعي حوالي عشرة ملايين مستقبل شمي ، بينما لدى الكلب الألماني شيفيرد حوالي اثنين مليار مستقبل شمي.
حاسة الشم والذاكرة
لحاسة الشم علاقة قوية جدا بالذاكرة . وقد وجد أن للروائح قدرة على تنشيط الذاكرة ، والمساعدة في تذكر أشياء قد مضى عليها زمن بعيد . و في إحدى التجارب تم إطلاق رائحة في غرفة يذاكر فيها بعض الطلاب ، وخلال الامتحان تم إطلاق نفس الرائحة فكانت الإجابات مرتفعة بشكل ملحوظ . كذلك وجد أن الذين يتعرضون لأذى في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة في الدماغ ، لا يستطيعون تميز الروائح . بالإضافة إلى أن الذاكرة الشمية هي أول أنواع الذاكرة الحسية التي تضعف مع تقدم العمر .
حاسة الشم والتذوق
ترتبط حاسة التذوق بشكل كبير بحاسة الشم فعدى كونهما حاستين كيميائيتين ، فان العلماء يقدرون أن 75 % من حاسة التذوق هي عبارة عن عملية شم . وان تأثر حاسة الشم سيؤدي إلى ضعف كبير في حاسة التذوق . علما أن حاسة الشم أقوى من حاسة التذوق بحوالي 10000 مرة.
حاسة الشم والمزاج
لحاسة الشم تأثير كبير على المزاج والعواطف . ويكون هذا التأثير مرتبطا بعوامل كثيرة منها حالة الشخص نفسه . لكن عند الإنسان الطبيعي تؤدي الروائح الطيبة إلى زيادة الشعور بالسرور ، وتؤدي الروائح المزعجة إلى شعور بالضيق والتوتر . بالإضافة إلى أن الباحثين لاحظوا أن المصابين بفقدان حاسة الشم اكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والانعزال عن الناس .
حاسة الشم والهرمونات
حاسة الشم عند النساء في عمر الإنجاب ( 16 – 45 سنة ) بشكل عام أقوى منها عند الرجال . وتختلف قوة الحاسة خلال أيام الدورة الشهرية ، وتكون في أقوى حالاتها في منتصف أيام الدورة الشهرية ، ويرجع العلماء سبب ذلك إلى تغير الهرمونات خلال أيام الدورة الشهرية . كما انه نفس السبب الذي يعزى إليه زيادة حاسة الشم عند الحوامل . كما أن ذلك قد لوحظ أيضا مع بعض الاضطرابات الهرمونية حيث تقل أو تزداد حاسة الشم .
حاسة الشم والفضاء
يفقد رواد الفضاء حاستي الشم والتذوق عادة . يعود السبب في ذلك إلى احتقان الأنف نتيجة ازدياد الضغط داخل الأوعية الدموية بسبب أن القلب لا يستطيع العمل بنفس الكفاءة لفترة طويلة ضد الجاذبية . لذلك تميل الجيوب الأنفية إلى الامتلاء والاحتقان بالسوائل ، مشابه بذلك حالة الإصابة بالبرد .
الأمهات والأطفال
90 % من الأمهات يستطيعون التعرف على رائحة مواليدهم بعد عشر دقائق إلى ساعة من بقاء أطفالهم إلى جانبهم . وكل النساء تقريبا يميزون رائحة أطفالهم بعد ساعة من بقائهم إلى جانبهم . وهذا حسب رأي العلماء يعود إلى أن دماغ الأم يفسر رائحة الطفل بشكل خاص يختلف عن جميع الروائح .
حاسة الشم والعمر
يصيب الكثير من البشر مع تقدم العمر ، أي بعد الستين ، نقص في حاسة الشم ، وان لم يشعروا بذلك ، لكن ذلك سيبدو جليا مع شعورهم بتغير حاسة التذوق . وتزداد نسبة الإصابة باضطراب في حاسة الشم عند من يتجاوز الثمانين من العمر لتصل إلى 80 % ، منهم 50 % يعانون من فقدان كامل لحاسة الشم .
حاسة الشم في الصغر
سؤال شغل بال العديد من الباحثين عبر سنوات مضت وهو : هل يستطيع الأطفال تميز الروائح ؟ . وقد توصل الباحثين إلى اكثر من نتيجة لكن جميع هذه النتائج تدل على أن حاسة الشم تكون مكتملة لدى الأطفال عند الولادة ، إلا أن ما اختلف عليه هل يستطيعون التميز بين الروائح. ففي دراسة وجد أن الأطفال حتى بعد 50 ساعة من ولادتهم لا يمكنهم تميز نوع الرائحة ، فلم تكن هناك استجابة لدى أطفال عند شمهم لرائحة اليانسون ( رائحة طيبة ) ورائحة الحلتيب ( نوع من الصمغ ذو رائحة غير جيدة ) . بينما أظهرت دراسة أخرى نتيجة شبه معاكسة للدراسة الأولى حيث أظهرت ردة فعل سلبية عند الأطفال عند شمهم لرائحة سيئة تمثلت في إيماءات في الوجه معبرة عن الانزعاج ، بينما لم يكن هناك أي تغير في قسمات الوجه عند شمهم لرائحة جيدة . لكن مع هاتين الدراستين ، هناك عدد كبير من الدراسات التي أثبتت أن الأطفال يستطيعون تمييز رائحة أمهاتهم المرضعات عن النساء الأخريات بعد أيام قليلة من الولادة . وفي العديد من التجارب على الحيوانات اثبت ذلك ، فقد تم مسح ثدي أنثى جرذ ، فلاحظ الباحثون أن الرضيع ابتعد أول مرة لأنه لم يميز الرائحة ، التي يعتقد انه يدركها وهو في رحم أمه . وقد تكون حاسة الشم قوية إلى درجة أن الطفل النائم قد يستيقظ من نومه عند دخول والدته الغرفة بينما قد لا يستيقظ عند دخول آخرين إلى الغرفة بهدوء .
العلاج بالروائح
نوع من العلاج المعتمد على الروائح والذي يكون الأنف والجلد والدماغ هم الأساس فيه ، وهو فن قديم تستخدم فيه العطور أو الزيوت الأساسية والمطلقة وغيرها من المواد لتحقيق فوائد بدنية ونفسية ، ولكل رائحة أو زيت قوته العلاجية الخاصة مثل تخفيف التوتر ومقاومة العدوى الميكروبية وزيادة الإنتاجية ، أو كمنشط جنسي ، وقد استخدمت الحضارات القديمة العلاج بالروائح ويعتقد أن عمره ستة آلاف عام .
وقد أكدت الكثير من التجارب على صحة هذا العلاج ، فمن خلال استخدام تقنية التخطيط الموجي للدماغ Electroencephalography - EEG ، أمكن تحديد فعالية الكثير من الروائح والعطور على تغير أو إلغاء موجة ألفا Alpha wave . وقد قسمت الروائح تبعا لهذه الدراسة إلى روائح مستثيرة لكونها تغلق هذه الموجة ، وروائح مهدئة لكونها تزيد من قوة وطول هذه الموجة .
الأنف الإلكتروني
استطاع العلماء من اختراع آلة أطلقوا عليها اسم الأنف الإلكتروني E-Nose ، تحاكي في عملها الأنف ، ويعمل العلماء على تطويرها . وهي تتألف من متحسسات دقيقة جدا تشكل بمجموعها حجم صغير يعادل حجم انف الإنسان وترتبط إلى جهاز حاسوب لتحليل البيانات الواردة إليه من هذه المتحسسات . يضع العلماء أملا على هذا الأنف الجديد في الكثير من المشاريع ، فهم يأملون استعماله لتحديد الروائح في الفضاء ، ولمساعدة المرضى الفاقدين لحاسة الشم ، وللإنذار المبكر عند حدوث تسرب في الغاز أو وجود دخان ، ولتطوير صناعة العطور، وللمساعدة في التعرف على بعض المواد الكيميائية خلال التجارب العلمية ، ولمراقبة التلوث الحاصل في بيئة المعامل وإعطاء تحذير في حالة حصول أي تسرب لمواد كيميائية .